قال بعض العلماء: الأمر بالفعل يقتضي التكرار إلا بدليل.
وقال بعضهم: يحتمله ولا يثبت التكرار إلا بدليل.
وقال بعضهم: المطلق لا يقتضي تكراراً، ولكن المعلق بشرط أو وصف يتكرر بتكرره.
والصحيح: أنه لا يقتضي التكرار ولا يحتمله ولكنه يحتمل كل الفعل المأمور به وبعضه، غير ان الكل لا يثبت إلا بدليل وعليه دلت مسائل علمائنا.
فأما الذين قالوا بالتكرار؛ فإنهم احتجوا بما روي أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الحج في كل عام أو مرة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "بل مرة، ولو قلت في كل عام لوجب، ولو وجب ثم تركتموه لضللتم" ولو لم يكن الأمر يحتمل الوجهين لما سأله الأقرع ولما احتملهما.
والتكرار من المرة يجري مجرى العموم من الخصوص فوجب القول بالعموم حتى يقوم دليل الخصوص.
ولأن للفعل بعضاً وكلاً من جنسه كما للمفعول، فمطلقه يتناول كله كما في الاسم.
ثم كل الفعل لا يتأدى إلا بالتكرار فيصير التكرار مقتضاه. ولهذا قالوا- فيمن قال لامرأته: طلقي نفسك! ونوى الثلاث: أن النية تصح لأنه نوى ما يحتمله لفظه من حيث العموم وبالكلية، ولو نوى ثنتين لم يصح عندنا لأنه نوى العدد ولفظه لا يحتمل عدداً، إلا أن تكون المرأة أمة فيصح لأن الثنيتين كل فعل تطليقها.
وكذلك فيمن قال لعبده: تزوج فتزوج امرأتين ونوى المولى ذلك صح. لأن ذلك كل تزوجه.
وكذلك أمر الله تعالى بالصلاة مطلقاً وتكرر به الوجوب علينا، وكذلك سائر العبادات.
فأما الحج فإنما سقط تكراره بدلالة السنة، ولن النهي عن فعل يقتضي النفي عاماً فكذا الأمر بالفعل الذي هو ضد النهي يقتضي الوجود عاماً.