يبطله، وقد احتمل ولزمه التفحص عنه بقدر الوسع وقد أعرض عنه بحسن ظنه أنه مطرد فكان كمن قام إلى الصلاة، واشتبهت عليه القبلة فصلى بلا تحر إلى جهة بحسن الظن كانت صلاته فاسدة كأنه تحرى ثم خالف الجهة، وهذا لأن الظن لا يغني من الحق شيئا فعاد الأمر في الدرجة الثالثة إلى الباب الأول.
وأما الرابع: فلأنه جعل استصحاب الحال علة لتصحيح الوصف لا لتقريره على الصحة فكان من قبيل الرهط الرابع من الباب الأول، فصار القول بالطرد مدخل الفقهاء إلى باب مآله إلى الجهل والضلال ومن نظر فيما أحدث المتسمون بالعلماء في زماننا هذا من أنواع الطرد من المسائل تيقن بما أشار إليه كلامنا، حتى صار في مسألة واحدة عشرة من المقاييس إلى مئة ونيف.
وكان الواحد من السلف رحمه الله يتفكر زمانا طويلا فلا يجد لما ابتلي به من علم الحكم إلا قياسا أو قياسين، ولهذا صارت أئمة السلف أصحاب المذاهب كأنهم أصحاب شرائع لأن الخلف اعتمدوا الطرد، وهو ليس بحجة يجب العمل بها فلم يستغنوا معه عن إتباع أئمتهم وتقليد سلفهم، وكان ذلك أحسن من العمل بالطرد باستصحاب الحال.
فمستصحب الحال اتهم الأصول فأعرض عن القياس فالأصول شهود كالمقلد اتهم قلبه فأعرض عن الرأي.
والقلب هو الحاكم المحكم من الإنسان وصاحب الطرد صدق الأصول بأي وصف شهدت من غير تأمل فيما شهد كالملهم صدق قلبه من غير تأمل فيما رأى، وكل ذلك سبيل غير سبيل الهدى وبالله التوفيق والعصمة من العمى، والله أعلم.