باب
حد الطرد ما قد مضى ذكره، وإنما أعدناه لنبين كيف يؤول إلى الضلال أمره، وأنه على الحقيقة قول استصحاب الحال إلا أنه أقرب إلى الحق من الأول.
فإن الأول استصحاب حكم الحال الثابت بالدليل والعلة الموجبة للثبوت لا توجب البقاء، فكان استدلالا لعدم العلة، وهذا استصحب صحة الدليل فإن أوصاف الأصول المعلولة أدلة وحجج، ولكن لضرب من الاحتمال أوجبنا التوقف عن العمل بها قبل بيان التأثير.
وصاحب الطرد استصحب الحالة الأولى في كونه دليلا حتى يتبين له وجوده، ولا حكم معه فيكون حينئذ فاسدا فيكون في استصحابه هذا عاملا بدليل لكنه دليل احتمل الفساد، ومثاله من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم نصا فاستصحب صحته ما لم يقم عليه دليل النسخ وعمل به كان عاملا بدليل احتمل الانتساخ والتبدل، إلا أن مخرجه إلى الضلال لحكمنا ببقائه صحيحا بعدم الدليل، وهذا صالح للدفع لا للإلزام على ما مر في الباب الأول.
وأقسامه أربعة في الاطراد:
اطراد ثبت بإقرار الخصم أو إجماع الناس.
واطراد ثبت بالعرض على الأصول في نفسه بقدر وسعه، والمراد يدعيه بوجود الحكم معه في الأصل المعلل قبل العرض على الأصول لكن بعد تثبيت أن الوصف صالح علة بدليله.
واطراد يدعيه لتصحيح الوصف علة.
فأما الأول: فحسن لما ذكرنا أن الثابت من الأصل لا يتغير إلا بدليل وعلة، إلا أنا نقول أن الوصف صالح علة ولكن لما لم يجب العمل بها بالصلاح على ما مر، فلا يثبت المعنى الموجب للعمل بها لعدم الدليل.
وكذلك ثبوت الاطراد بعرضك على الأصول حجة تعذر أنت بها، ولا يكون حجة على الغير لجواز أن يكون عند الخص ما ينقضها على ما مر.
وأما الثالث: فحكم بالظن لأنه زعم أن وجود الوصف بلا حكم في أصل آخر مما