وأما الرابع: فضلال محض لأن استصحاب الحال كاسمه وهو التمسك بما ثبت حتى يقوم دليل الزوال، وما لم يكن لا يمكن التمسك بوجوده بل يحتاج إلى إثباته فلا يثبت لعدم الدليل كالمفقود أصله حي فيتمسك به حتى يقوم دليل الموت، وكذلك ملكه ثابت فيتمسك به حتى يقوم دليل الموت وملك أبيه لم يكن له فإذا مات أبوه لم يثبت له، لأن التمسك بالحال التي كانت توجب أن لا يثبت له ملك أبيه بل يبقى على ما كان حتى يقوم دليل الثبوت.
وقد جعله بعض شيوخ الشافعية حجة لإثبات الإرث على ما مضى من قبل، لكنه قال به من حيث لم يشعر به لا قصدا إليه فإنه استصحب الحياة له بحكم التمسك بها وإذا بقي حيا انتقل الإرث إليه فلم يثبت الإرث باستصحاب الحال في الإرث نفسه ولكن بواسطة بقاء الحياة له.
وأبينا نحن ذلك لأن الحياة ثابتة له بلا دليل فيبقى ثابتا دفعا عن نفسه، فأما استحقاقا بها لما لم يكن ثابتا فلا على ما مر في بابه، وعلى هذا اختلافهم في شاهدين شهدا أن الملك كان لأب المدعي والأب ميت فإنه لا يقبل عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، ويقبل عند أبي يوسف رحمه الله: لأن الملك ثبت لأبيه بهذه الشهادة فيبقى بلا دليل وملك الوارث هو ذلك الملك بعينه.
ولهما: إن البقاء بعد الثبوت إنما يكون باستصحاب الحال فثبت دفعا عن المشهود عليه بحق الشهادة، لأنه كان لهذا المدعي فأما لإيجاب حكم لم يكن فلا وملك الوارث حكم لم يكن فإن الملك وإن كان ذلك الملك بعينه، فالمالك مالك آخر كما قلنا في المفقود أنه لا يرث أباه، وإن كان الملك ذلك الملك بعينه يبقى للوارث لأن المالك غير الأول، والله أعلم.