باب

القول في أقسام استصحاب الحال

قد مر في ما مضى أن استصحاب الحال قول بلا دليل، وأنه من باب الجهل بالأدلة، وباب الجهل لا يكسب العلم فلابد أن يكون مدرجا إلى الضلال، وإن كان ابتداؤه حسنا وهو التمسك بما كان حتى يزول بالبرهان، وأنه أقرب إلى الحق من التقليد والإلهام.

لأن الملهم رجع إلى قلبه، وجهل الأدلة وأعرض عنها، وما القلب بحجة بل الحجة رأيه، وهذا علم الدليل ورجع إلى رأيه إلا أنه لم يفرق بين الثابت بالحجة وبقائه كذلك ثابتا، فظن أن الحجة المثبتة حجة مبقية ولم يدر أن البقاء محكوم به لعدم الدليل المزيل لا بوجود الدليل المثبت، أو لم يفرق بين حكم وجود العلة وحكم عدمها.

وأقسامها أربعة:

أ. استصحاب حكم الحال لضرورة عدم ما يزيله، وثبوت العدم بطريق أوجب العلم به كالخبر به من جهة صاحب الوحي، أو من طريق الحس إذا كان الشيء مما يعرف به.

ب. واستصحاب حكم الحال لعدم الأدلة من طريق النظر في الأدلة برأيه بقدر وسعه مع احتمال قيام الدليل من حيث لا يشعر هو به.

ج. واستصحاب حكم الحال قبل النظر والاستدلال.

د. واستصحاب الحال لإثبات حكم مبتدأ.

أما الأول: فصحيح وقد علم الله تعالى الاحتجاج به فقال: {قل لا أجد في ما أوحي إلى محرما} الآية وهذا لأن العدم لما ثبت يقينا انعدم حكم العلة أيضا ضرورة على ما مر من قبل كما أن العدم كان ثابتا أصلا قبل الإحداث لما سوى الله تعالى.

وأما الثاني: فصحيح إبلاء للعذر لا احتجاجا على غيره لاحتمال قيام العلة عند غيره على ما مر.

وأما الثالث: فجهل محض والجهل لا يكون حجة، ولا يكون عذرا عند إمكان طلب الدليل كالجهل بالشرائع عذر في دار الحرب، لمن أسلم ولم يهاجر إلينا. ولم يكن عذرا لذمي أسلم في درانا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015