قلبها بلا نظر، ولكن كان إيحاء الله تعالى أن ذكرها هذه الطريقة لطلب حياة موسى.
وكذلك من اشتبهت عليه القبلة سقط عنه الأمر عندنا بإصابة جهة الكعبة على الحقيقة، إلى جهة هي جهة الكعبة بتحري قلبه للضرورة، على ما بينا في موضعه.
وكذلك من أخبرك بخبر في المعاملات وأنت لا تعرفه فإنك تحكم قلبك وتعمل به، لأن في العمل بأخبار الناس في باب المعاملات عدلهم وفاسقهم ضرورة لا يستقيم أمر الناس دونه فسقط الأمر بالعمل بها بشرط إصابة الصدق حقيقة دافعا للحرج، وآل الشرع إلى قدر الممكن من الصدق وهو بما يشهد لك قلبك به.
وكذلك الحلال إذا اختلط بالحرام والحلال غالب لأن أموال الناس قلما تخلو عن الحرام فلو لم يبح إلا بشرط الحلال لا محالة لضاق الأمر على الناس فسقط الأمر عند غلبة الحلال بالتجنب عن الحرام إلا بقدر ما لا يخرج فيه من شهادة القلب بأنه حلال إذا لم يجد حجة أخرى تميز بينهما، والخلاف فيما نحن فيه في حال قيام سائر الحجج، والباب الذي لا يجوز العمل به بدون العلم به على الحقيقة نحو معرفة الله تعالى بصفاته عند ذكره.
وأما حديث وابصة: فقد ورد في باب يحل فعله وتركه فيجب ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه احتياطيا لدينه، على ما شهد له قلبه به، فأما ما ثبت حله بدليله فلا يجوز تحريمه بشهادة القلب، وكذلك ما ثبتت حرمته فلا يحل تناولها بشهادة القلب.
وأما حديث عمر رضي الله عنه: ففيه أنه كان مخصوصا به، ونحن لا ننكر هذه الكرامة، وإنما ننكر إثبات الشرع به، وعمر رضي الله عنه ما كان يعمل في المشروعات إلا بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم رأي نظر واستدلال، وما كان يدعو الناس إلى ما في قلبه.
وأما كرامة الفراسة: فلا ننكرها أصلا، ولكنا لا نجعل شهادة القلب حجة لجهلنا أنها من الله تعالى أو من إبليس أو من نفسه.
وأما أقوال الصحابة: فقد ذكرنا تأويلها فيما مضى ولم يثبت منهم قول إلا عن نظر واستدلال.
وأما الجواب عن العصمة: فإنها لم تثبت لغير الأنبياء عليهم السلام على البتات فلا يمكن البناء عليه، ولا تتصور العصمة لمن لم يعرف الحجج ولم يستدل بالآيات.
وزعم بعض الناس أن العامة لم تعرف ربها إلا بالإلهام، وأنه غلط فما من عامي إلا وهو مستدل بالآيات، ويسبح ربه إذا رأى كسوفا أو أمرا هائلا يعجز عنه البشر إلا أنه لا يهتدي إلى المحاجة بها ولهذا قال الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} لمعرفتهم بعجز الأصنام عن التخليق يعرفون أن الخالق هو الله تعالى.