ولأن التفكر في الشيء قبل الوقوف عليه لا يتصور والتفكر للوجود لا يتصور إلا في موجود يدل عليه، على أن التفكر نفسه نظر واستدلال وما دعوناك إلا إليه، وإنما أنكرنا كينونة الرأي حجة بلا نظر أصلا.
فأما الجواب عن تمسكه: {فألهمها فجورها وتقواها}: أن تأويله، والله أعلم عرفها بطريق العلم، وهو الآيات والحجج على ما فسر في قوله: {سنريهم آياتنا في الآفاق} الآية.
وكذلك شرح الصدر بنور التوفيق حتى ينظر في الحجج.
وكذلك أحياه بالأدلة وبما أراه من الآيات فلا اهتداء للعبد إلا بعد هداية الله تعالى، وذلك بطريقين بالهداية بعد جهاد العبد كما قال الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وقال: {ويهدي إليه من ينيب} هو أدنى الدرجتين والأعلى بالاصطفاء والاجتباء، كما قال الله تعالى: {يجتبي إليه من يشاء} وقال: {ووجدك ضالا فهدى} ولم يذكر جهاده والله تعالى يجتبي إليه من يشاء بروح القدس، وكمال نور العقل وذكاء الطينة والتوفيق.
وإراءة الحجج كرامة ابتداء حتى يصير موكلا على النظر في الآيات فيتبين له أنه الحق كما يتبين للكافة يوم القيامة، وهم رهط الأنبياء والصديقين ويهدي من يجاهد في سبيله إليه بإراءة الآيات والتوفيق رحمة وجزاء، حتى ينظر فيها فيعرفها آيات، فهذا تأويل الإضافات إلى الله تعالى.
وأما الفطرة: فتأويلها أن الآدمي يخلق، وعليه أمانة الله التي قبلها آدم عليه السلام فيكون على فطرة الدين ما لم يخن فيما عليه من الأمانة، وكان على عذر في ترك الأداء عن عجز على ما بينا في باب: حمل الأمانة.
وأما وحي النحل: فما هي بمستنكر في نفسه، وإنما أنكرنا ذلك في علم خوطبنا بكسبه وابتلينا به.
وأما وحي أم موسى عليه السلام: فأمر نقول به، وبيانه أن أم موسى خافت على موسى القتل من فرعون على ما ظهر من سنته، ومن خاف على نفسه الهلاك حل له إلقاء نفسه في البحر أن رجى فيه النجاة بوجه وراكب السفينة إذا ابتلى بالحريق حل ركوب لوح في البحر، وأنه من باب ما لزمنا العمل به عند الضرورة بلا علم.
ولأن من ابتلي بشرين لزمه اختيار أهونهما لديه عقلا وشرعا، على أنها ما عرفت أن الإلقاء في البحر أهون إلا بنظر فقد كانت عرفت بطريق النظر أن راكب اللوح ممن ينجو برأسه غالبا.
وكان الوليد لا ينجو في الأغلب من فرعون فلم تعرفه بإلقاء الله تعالى علم ذلك في