وكان القياس أن لا تجب الدية مثلًا عن الآدمي بالقتل خطأ إلا أنا أوجبناها بالنص معدولًا به عن القياس فلا يقاس عليه غيره.
وكذلك إذا غصب ساحة فبنى عليها لا ينقض عليه لأن في النقص إبطال ملك قائم بعينه للغاصب بلا عوض وفي الإبقاء إتلاف ملك المغصوب منه بعوض، وهو مالك من وجه على ما بينا في موضعه فكان هذا أهون، ويكون الغاصب متعديًا لا يستوجب زيادة غرْم على مثل ما تعدى، ولا تبطل حرمة ماله بوجه وراء الانتصاف منه.
وكذلك إن صوم رمضان صوم عين من بين سائر الصيام فلا يشترط تعيينه عن سائر أنواعه قياسًا على النقل في غير رمضان.
وقولهم: أنه صوم فرض فأشبه القضاء لأن سقوط التعيين فيما هو عين حكم لازم موجود في المعاملات وسائر الفرائض من الزكوات، وكل عين يتصف بالتعيين وحكم علتهم يختص بصوم فرض لا يدور مع كل فرض على ما بينا أن فرض الزكاة يتأدى بلا تعيين نية الزكاة.
وكذلك فرض الإيمان والشهادة باللسان.
وكذلك فرض الحج على أصله يتأدى بلا نية التعيين فهو قريب من الباب الأول.
ومنه قولنا: إن ربا الفضل حرام للكيل والجنس فيحرم بهما فضل القدر كيلًا، وقولهم حرام للطعم، والحرام فضل القدر ذاتًا في الحبة بالحبة، فإن أجزاء الخلقة على التفاوت كانت علتنا أولى لأن حكمها، وهو حرمة فضل القدر كيلًا لازم معها أبدًا، وحكم علتهم يزول إذا جاءت المساواة كيلًا فإنه حلال مع تيقننا بتفاوت الأجزاء بينهما ذاتًا، والله أعلم.
وأما النوع الثالث: فبكثرة الأصول لما مرَّ أن الوصف هو الحجة بأثره في الحكم لا الأصل فيكون في كثرة الأصول زيادة لزوم الحكم معه من وجه آخر غير ما مرّ، كزيادة صحة الخبر بزيادة الرواة حتى يصير مشتهرًا ومتواترًا، وقلما يوجد نوع ترجيح من هذه الأنواع إلا ويتبعه الآخران.
وأما الرابع: فأخف الوجوه ترجيحًا، وهو العدم لما مرّ أن العدم لا يوجب عدمًا ولكن لما عدم الحكم بعدمه بعدما صار علة بدليله أوجب زيادة علم بتعلق الحكم به يفوت ذلك إذا نفي الحكم مع عدمه من حيث الظاهر.
ومثال ذلك: إنا نقول في من اشترى طعامًا بعينه بطعام أن القبض ليس بشرط في المجلس لأنه مثمن عين فأشبه الثياب.
وقالوا: القبض شرط لأنه من أموال ربا الفضل مع الجنس فأشبه الذهب والفضة.