والاتصاف بالبقاء معنى منبئ عن الجودة بل تفاوت ما بين التبع والمتبوع أكثر مما يكون بين الجيد والرديء.
وقال الشافعي: تضمن بالإتلاف لأن المنافع مما تقوم بالعقد، فكذلك بالإتلاف قياسًا على عين المال وأوجب المماثلة بقدر الإمكان.
فإذا لم يمكن إلا بأدنى تفاوت تحمل كما تجب القيمة عن الأعيان وإنما يستدرك بالظن.
والحرز لما لم يمكن إيجاب المثل صورة، وكان هذا التفاوت أولى بالتحمل من إسقاط حق المتلف عليه أصلًا ورأسًا، وهذا حكم لازم فإنا أمرنا بدفع الضرر ما أمكن.
فإذا دار الأمر بين أن يسقط الضمان فرارًا عن إيجاب زيادة متيقن فيها على المتعدي على أضرار بالمتعدي عليه بإبطال أصل حقه، وبين أن يتحمل الزيادة لحق المتلف عليه بعذر العجز كان الأولى ما صرت إليه فالمظلوم أولى بالنصرة ودفع الضرر عنه، وأكثر الضررين أولى بالدفع عند المقابلة.
وقلنا نحن: حكم علتنا من حيث نفي الزيادة عن المتعدي أثبت لأنا وجدنا في أصول الشرع إتلاف مال متقوم لا يوجب ضمانًا كإتلاف الباغي أموالنا ونفوسنا في حال المتعة، وإتلاف الكفار كذلك، ولم نجد تعديًا أوجب الزيادة على المثل بعذر من الأعذار في الدنيا لا في الآخرة بل الزيادة جور لا وجه إليه بحال فكان حكم علتنا ألزم من حكم علتهم.
وهذا لأن في الزيادة جورًا وفي الإسقاط تأخير الانتصاف إلى الآخرة فكان التأخير أهون من إبطال حق المتعدي في الزيادة.
ولأن الزيادة راجعة إلى ما يتبين من حكم الله تعالى، وحكم الله تعالى مصون عن الجور، وأما الضرر فيبقى غير مجبور للمظلوم لعجزنا عن الخبر والعجز عذر لنا.
ثم الظالم مساو للمظلوم في احترام حقوقه إلا من حيث الانتصاف منه له بالمثل والكلام في الزيادة فسقط أثر التعدي فيها، وليس هذا كضمان القيمة عن العين لأنا لا نوجب زيادة بالفتوى بحال، بل نوجب قيمة عدل على الحقيقة فلكل عين متقوم قيمته مثل على الحقيقة عند الله تعالى وإنما يقع التفاوت بقدر ما يقع في استيقاء الواجب لأنه لا يقع مثلًا على الحقيقة، وذلك عمل بما وجب والعمل يلزمنا بقدر الوسع فسقط اعتبار ما ليس في وسعنا دفعه فثبت أنا ما أوجبنا بالشرع زيادة على المثل في موضع.
وكذلك قلنا: ملك النكاح لا يضمن بالإتلاف، وكذلك ملك القصاص، حتى لو شهد شاهدان بالطلاق بعد الدخول أو العفو عن القصاص، وقضى القاضي ثم رجعا لم يضمنا لأن المال ليس بمثل لهذين الملكين لا صورة ولا معنى لأن معنى المال غير معنى ملك النكاح، وملك الحياة.