فكان الأثر الذي صرنا إليه أقوى من أثره بالملك بل أثر الملك في إطلاق التصرف والحجر لا في قدر عدد المملوك من التصرف المزيل للملك، وإنما الأثر للمحل على ما بينا.
وكذلك مسح الرأس لا يثلث استدلالًا بمسح الخف لأن هذا الوصف يفرق بين جنس الغسل، والمسح في حكم التخفيف فإن المسح أخف منه في نفسه، وكذلك في حكمه حتى تأدى الفرض منه ببعض محله فصار وصف المسح مؤثرًا وضعًا وشرعًا في الفرق بينه وبين الغسل.
وقولهم: إنه ركن فصار نظير الغسل لا أثر له في جعل الركن بابًا واحدًا فيما هو تغليظ لا من حيث نفسه ولا من حكمه.
وكذلك صوم رمضان عندنا يتأدى بمطلق نية الصوم لأنه صوم عين أي ليس معه غيره في وقته فأشبه صوم النفل في سائر الأيام فإنه لم يشرع معه غيره في أصل الشريعة، وإنما يثبت بعوارض وتأثيره أن النية ما شرعت أصلًا إلا لتعيين العبادة عن العادة فلا يشرع زيادة الوصف عليه إلا لتعيين عبادة عن عبادة أيضًا، فإذا لم تشرع العبادة وكانت الواحدة عينًا لم يفتقر إلى التعيين.
وقال الشافعي رحمه الله: إنه صوم فرض فيكون تعيين نية الفرض شرطًا قياسًا على القضاء، لأن للفرضية أثرًا في تغليظ حكمها متى قوبل بالنفل، وإنه ضعيف لأنه أشار إلى أثر مجمل مع اتفاقنا على المساواة بينهما في كثير من الأحكام، واختلافنا في شيء بعينه وهو النية، ونحن بيّنا الأثر في نفس النية فهذا أقوى وجه يجب اعتباره.
وأما الوجه الثاني: وهو قوة ثباته على الحكم المشهود به فلأنه جعل علة لإيجابه فيكون زيادة وجوب الحكم بها رجحانًا من حيث الوصف، مثال ذلك أنا قلنا: إن المنافع لا تضمن بالإتلاف لأن ضمان مثل، والمثل بنبئ عن المساواة إما مطلقة صورة ومعنى أو معنى بالإجماع، والمنافع لا مثل لها فلم يجب ضمان المثل للعجز عن الوصول إليه، كما لا يجب ضمان المثل صورة فيما لا مثل له من صورة، وكذلك المنافع لا تضمن بمنافع مثلها لعدم المماثلة، فكذلك لا يجب من حيث القيمة لأنه لا مماثلة بينهما أيضًا، فإسقاطنا ضمان المثل للعجز عن المثل إسقاط بمعنى مؤثر لأن التكليف مبني على الطاقة في جميع أنواع التكليف.
فحكم هذه العلة يتبعها في جميع أنواع التكليف، ودلالة أنه لا مثل لها أن القيمة دراهم أو دنانير، وهما جواهر والمنافع أعراض.
والجوهر في ذاته خير من العرض لأنه يقوم بنفسه والعرض يقوم بغيره فكان كالتبع له بل وصفًا للجوهر، لأن الجوهر مما يبقى زمانين والعرض مما لا يبقى صفة ذات،