القول في بيان الترجيح

أما تفسير الترجيح لغة فإظهار الزيادة لأحد الممثلين على الآخر وصفًا لا أصلًا من قولك: أرجحت الوزن إذا زدت جانب الموزن حتى مالت كفته، وطفت كفة السنجات ميلًا لا يبطل قيام كفتي الوزن، فيكون الوزن باقيًا. ولكن وزن راجح أي مائل بزيادة لو أفردت الزيادة عن الأصل لم يقم بها الوزن في مقابلة الكفة الأخرى، فكان الرجحان عبارة عما يغير صفة الوزن لا عما يقوم به الوزن على سبيل المقابلة.

وضد أرجحت: طففت، فكذلك رجحان العلة على علة يكون من هذا الطريق بما يغير صفة القياس إلى قوة لو انفردت عن العلة لم تكن حجة [مقابلة بما تكون حجة] بنفسها مقابلة للأولى لو انفردت عن أصل علتها. وهذا كالشهادتين إذا تعارضتا وإحداهما مستورة والأخرى عادلة، ترجحت العادلة لأنها صفة الشهادة.

ولا تترجح بزيادة عدد الشهود ولأنها ليست بصفة لما هو حجة من الشهادة بل مثلها، وشهادة كل عدد ركن مثل شهادة الأخرى لا يكون بعضها صفة للبعض.

وكذلك الخبر لا يترجح بخبر آخر يروى، ولا الآية بآية أخرى ويترجح الخبر بكثرة الرواة لأن الحجة هو الخبر المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، والاشتهار في النقل [وجب قوة ثبوت في النقل الذي به يثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويصير حجة ويصير] وصفًا للرواية، لأنا نقول رواية مشهورة ومتواترة وشاذة بخلاف الشهادة لأن الحجة قول الشاهد: أشهد، وكلام كل واحد ركن مثل الآخر لا أن يكون وصفًا له، وإنما يترجح بمعنى يرجع إلى الشاهد فيقوى الصدق من قوله: أشهد، فلا جرم أنه يختلف بها أمر الشهادة نحو شهادة الفاسق، والمستور والعدل.

ولهذا لا يترجح القياس بالنص لأن النص متى شهد بصحة القياس صارت العبرة للنص.

وسقط القياس في أن يضاف الحكم إليه في المنصوص نفسه على ما مر أن تعليل النص بعلة لا تتعدى ساقط.

وكذلك لا يترجح الخبر بالكتاب، ولن النص فوق قياس آخر.

وقد مر أن القياس لا يترجح بآخر لأنه لا يصير تبعًا له فبالنص أولى.

ولهذا قالوا: لو أن رجلًا جرح رجلًا جرحًا وآخر جراحات فمات من ذلك، استويا في تحمل ضمان النفس لأن كل جرح علة كاملة لإضافة الموت إليه فلا يكون لزيادة العدد عبرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015