وأما المعارضات في علة الأصل بعلة أخرى فلغو من الكلام: لأنه جائز اجتماعهما جميعًا علتين في الأصل.
وإذا جاز الاجتماع بلا تدافع لم تقع بينهما معارضة.
ولأن ما لا تتعدى من العلة فباطلة بنفسها عندنا على ما مر وما يتعدى فعدمها لا يوجب عدم الحكم ليثبت بالعدم معارضة في حكم الفرع.
والتعليل كان لإثبات حكم الفرع فالمعارضة إنما تصح بما ينفيه الكلام فيما مضى في باب أن العدم شرط لصحة العلة أم لا وفي غيره، وكذا ما يتعدى إلى فرع مختلف في حكمه نحو قولنا فيمن باع قفيز جص بقفيز جص: أنه ربا لأنه باع مكيلًا بجنسه متفاضلًا فلا يجوز قياسًا على الحنطة.
فيقولون: المعنى في الأصل أنه باع مطعومًا بجنسه، قالوا: وتتعدى علتنا إلى فروع لا يقولون بها كالتفاحة والحبة فمن الناس من زعم أنه ممانعة حسنة لأن المسلمين أجمعوا على ترك القول بهما فصارتا متدافعتين إجماعًا.
والجواب: أنا جمعنا على جواز الجمع بينهما من حيث ذاتيهما فيكون الكيل علة والطعم علة، وغنما نفى كل واحد منهما علة خصمه بدليل قام على فسادها لا بصحة علتها فتكون ممانعة بصحة علته فاسدة بالإجماع، والله أعلم.