وقد قال علماؤنا رحمهم الله في شقص دار بيع وله شفعاء بأنصباء متفاوتة: كان الشقص المبيع بينهم على عدد رؤوسهم، لأن النصيب وإن قل علة لاستحقاق كل المبيع، فتضاعف ذلك النصيب لا يوجب زيادة إضافة إليه كتضاعف عدد الجرح.
وكذلك قال الشافعي: أن صاحب النصيب الكثير لا يكون أولى فلا تترجح شركته على شركة الآخر إذ لو ترجح لصار الكل له، ولكن قال: يزداد له الاستحقاق كرجلين اشتريا عبدًا بثلاثة آلاف درهم على أن على أحدهما ألفًا وعلى الآخر ألفين كان العبد بينهما أثلاثًا أيضًا كالثمن.
فهذا ليس من باب الترجيح ولكن من باب من يستحق شيئًا بطريقة، والآخر بطريقتين.
وكامرأة ماتت وتركت ابني عم أحدهما زوج فإن الزوج يرث النصف بالزوجية والربع بالعصوبة.
ولا تترجح عصوبته على الآخر بالزوجية لأنها ليست بصفة للعصوبة بل هي علة أخرى فعلمت أن الاتفاق جاري على أن الترجيح لا يقع بمثل العلة الأولى، ولا بما فوقها بل بما يكون وصفًا لها وتبعًا.
والاختلاف في مسألة الشفعة في أن زيادة النصيب هل يعتبر علة أخرى للاستحقاق أم لا؟ فثبت أن حد الترجيح ما يزيد قوة لما جعل حجة ويصير وصفًا له.
وجملة أقسامه في المقاييس تنتهي إلى أربعة:
أ- قوة تأثير الوصف.
ب- وقوة ثباته على الحكم المشهود به.
ج- وكثرة أصوله.
د- وانعدام الحكم لعدمه.
أما قوة التأثير: فإنه صار حجة يعمل بها بتأثيره، فيترجح معنى الحجة برجحان هذا الوصف كالخبر لما صار حجة بالثبوت عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك باتصال الرواية عنه إليه، وهذا الاتصال يزداد قوة بحال الراوي في صلاحه وضبطه، وباتصال الإسناد وانقطاعه وجب الرجحان بما قوى به الاتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: أليست الشهادة جعلت حجة بسبب العدالة ثم لا تترجح بقوة العدالة، فإن بعض الشهود يكون أعدل من بعض؟
قلنا: إن العدالة بالتقوى، والتقوى ليست بأنواع بعضها فوق بعض ليمكن التمييز بينها بأنواعها كأحوال الرواية فإنها متصلة ومنقطعة.