النص فلا يخرج إلا بنص، والأزمنة تدخل تحت النص بحكم لا دليل على الانتساخ، لأنه إذا ثبت دام لا بالنص ولكن لعدم ما يزيله إلا بثبوت العدم.
فإن قيل: قال محمد بن الحسن رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة حاكيًا عن أبي حنيفة رضي الله عنه: لا خمس في العنبر لأن الأثر لم يرد به.
قلنا: وليس فيه أنه احتج به على من يدعي دليلًا، بل قاله لإبلاء عذره من الكف عن إيجاب الخمس، على أن أبا حنيفة رضي الله عنه قال: لا خمس في العنبر لأنه بمنزلة السمك.
قال محمد: فقلت ما بال السمك لا يجب فيه الخمس؟ فقال: لأنه بمنزلة الماء، وهذا قياس مؤثر لأنا أخذنا خمس المعادن من خمس الغنائم، ولا نخمس الماء في الغنائم فذكر أن القياس لا يوجب الخمس، ولم يرو أثر بخلاف القياس ليعمل به ويترك القياس.
قال علماؤنا رحمهم الله تعالى: مجهول النسب حر في حق نفسه فإذا ادعى عليه الرق كان القول قوله، وإذا جني عليه لم يجب على الجاني أرش الحر إلا ببينة تقوم على الحرية، لأن الحرية أصل ثابت بدليلها لبني آدم عليه السلام، ولكنها لا توجب البقاء، وإنما تبقى بعدم ما يزيلها من أسباب الرق، والعدم في نفسه محتمل للحال فلم تسقط الحرية في حقه بالاحتمال، ولم يصر حجة على غيره مع الاحتمال.
وقالوا: المفقود لا يرث ولا يورث لأن الحياة أصل، واحتمل الزوال بالموت فلم يسقط حكم الحياة في حقه بالاحتمال فلم يورث، ولا يثبت على غيره مع الاحتمال فلا يرث.
وإذا ادعى الرجل شفعة في دار اشتريت بدار هي في يده، وأنكر المشتري أن تكون الدار له، وادعاها لنفسه لم يثبت للمشتري ما في يد المنكر، ولا تثبت الشفعة للمنكر، لأن المالكية أصل لما استولت اليد عليه وتحتمل الزوال بدليله، فلم تزل المالكية عنه بالاحتمال ولا صار حجة على غيره مع الاحتمال.
وإذا قال لعبده: إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم وقال لم أدخل الدار لم يعتق، وإن كان العدم أصلًا لأنه احتمل التغير بالدخول فلم يصر العدم حجة على المولى مع احتمال الزوال بالدخول وهذا لا خلاف فيه.
فإن قيل: إن عدم الدخول غير مقصود حقًا للعبد حتى يقال أنه ثابت بدليله فيصير حجة على غيره، بل المقصود هو العتق، وإنه غير ثابت والملك للمفقود غير ثابت في مال الأب أصلًا لنبقيه بعدم الدليل والمقصود هو الإرث.
وكذلك اليد أصلها يكون بملك، وبغير ملك فلم تصر حجة على الشفيع.