حق المدعي فبقي الأمر على ما كان قبل المعارضة، كما صح شراء من شهد بالعتق، ثم اشترى وإن كان العتق ثابتًا في حقه، ولهذا يؤاخذ به بعد الملك لأنه غير ثابت في حق البائع فصح بيه البائع، واعتياضه من عبد هو عبد له بخبر هو حجة في حقه لا غير، وإن عارضه خبر المشتري لأنه ليس بحجة عليه.
وهذا لأن لا دليل وإن استند إلى أصل ثابت بدليل، فذلك الدليل الذي أوجب ثبوته لا يوجب بقاءه، بل البقاء لاستغنائه عن الدليل على ما مر في باب النسخ، لكونه مما يبقى أزمنة غير أنه لما لم يكن واجب البقاء.
وكان مما يجوز زواله بما ينفيه احتمل كل ساعة تأتي طريان ما يزيله فيصير قول القائل: قد طرى ما يزيله محتملًا للصدق، كقوله: لم يقم الدليل، فلا يصير حجة على واحد منهما، ولأن الذي اعتمد عدم الدليل لبقائها ثبت بدليله، اعتمد معنى لا يمكنه الإثبات على خصمه فلا يصير حجة عليه.
وإنما قلنا: لا يمكنه لأنه جائز بالاتفاق تفاوت الناس في العلم بالأدلة، وإن يعلم خصمه دليلًا لم يبلغه، ومن ادعى أنه قد علم كل شيء لم يناظر وكان متعنتًا، ولأن دعواه العدم لا يكون حجة على خصمه، كما أن دعواه الدليل لم يصر حجة على هذا نحو ما ذكرنا في الدعوى والإنكار، وهذا كما كان يجوز في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يثبت حكم بدليله ثم ينسخ بدليل آخر فيبلغ الناسخ أقوامًا دون أقوام، فيكون من لم يبلغه الناسخ معذورًا في العلم بالمنسوخ، ولا يكون جهله بالناسخ حجة على الذي بلغه الناسخ، فكذلك الحجج اليوم.
فإن قيل: يكون حجة له في أن لا يلزمه ما يدعيه الآخر ما لم يبرزه.
قلنا: نعم حجة له لا على خصمه، ولهذا صح من الله تعالى الاحتجاج بعدم التحريم على إبقاء الحل لأن الله تعالى هو المحرم، ولا يخفى عليه العدم كما لا يخفى عليه الوجود، فيثبت العدم على السامعين أجمع بقوله تعالى فيلزمهم البقاء على الحكم الأول الثابت بدليله عند ثبوت العدم عليهم بدليله.
وليس هذا من قبيل الاحتجاج بالعموم لأن العمل بعمومه واجب بحقيقة النص، وحقيقته لا تحتمل الخصوص بل توجب العموم على احتمال جواز تركها بدلالة تحمله على المجاز والخصوص فلا يترك حكم الدليل إلا بدليل.
وأما الموجب لثبوت الحكم من نفي أو إثبات لا يوجب بقاءه لأن الإيجاب لم يتناول الأزمة، بل يتناول ما وضع الاسم له، وإنما يبقى لاستغنائه في البقاء عن دليل على ما بينا في باب النسخ، وإذا لم يكن معه دليل على البقاء لم يمكنه إلزامه خصمه بلا دليل إذا ادعى خصمه أمرًا محتملًا، وهو الزوال بدليله دل عليه أن دخول الأعيان تحت النص العام بحكم