على أنه يتأدى منهم الشهادة، وذلك يحصل ببعض الألفاظ، ولم يميز ذلك عن غيره إلا بدليل، ولما ذكرنا في الباب الأول أن هذه النصوص جعلت القياس حجة أصلية فجعلت الشهادة للأصول أصلًا، ولكن ما أثبت لكل أصل بانفراده.
واحتملت التغير بالعوارض فكذلك الأوصاف فلا تصير حجة على الغير مع الاحتمال، ولأن كل وصف لو صلح علة، والأوصاف محسوسة مسموعة لشرك السامعون وأهل اللغة كلهم الفقهاء في المقايسات، ولما اختص بها الفقهاء علم أن المقايسة مبنية على معاني تفقه لا أوصاف تسمع.
وأما الجواب عن قولهم: إن علل الشرع إمارات، فليست كذلك على التمحض على ما مر في أول الكتاب.
وسنذكر بعد هذا أن علل الشرع إمارات على معنى أنها لم توجب بذواتها بل بجعل الشرع إياها موجبة.
وقد مر أن حكم القياس تعدية حكم النص إلى الفرع وهذا الحكم مما لا يحس، ولكنه يعقل كقولنا: رجل عالم لا يعرف له هذا الوصف بكونه رجلًا وبأن نحسه، بل بمعنى عقلي يستدل عليه به، وليس ثبوت العلل بأعيانها بالنصوص كثبوت الأحكام بالنصوص، لأن النص عين الحكم وهو موجب بنفسه لغة.
والنص ما عين الوصف من الجملة علة ليجب القول به بل صير الأصل معلولًا، فهذا الواحد الذي لم يتعين بالنص لا يتعين إلا بالرأي، فما لم يعقل معناه بالرأي لا يصير الرأي عليه حجة فالدرك بالرأي من طريق العقل وبظاهر البدن من طريق الحس، ولن عين اللفظ لا يكون حجة إلا من صاحب الشرع، والحجة من غيره استنباط معنى النص بالرأي لا تخصيص بعضه.
وأما الفريق الثالث: فقد زعم أن قيام النص ولا حكم له آية الفساد لا آية الصحة، ولما ذكرنا في باب شروط القياس أن من شرط صحة تعليل النص بالرأي أن يبقى حكم النص على ما كان قبل التعليل.
وأما آية الوضوء فغير معلومة بالحدث عندنا، والوضوء إنما يجب للصلاة على ما بينا في أول الكتاب، ولكن لا يجب إلا على محدث، والحدث شرط زيد في الآية لا بالرأي، ولكن بدلالة النص فإنه تعالى قال: {ولكن يريد ليطهركم} وقال في الاغتسال: {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} وقال في بدل الوضوء: {أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا} وإنما تعلق وجوب التيمم الذي هو بدل بما يجب به الأصل فتبين أن المراد بصدر الآية: إذا قمتم