الوصف ولا حكم معه دليل الفساد بنفسه.
فأما الأولون: فهم القائلون بقياس الشبه بلا معنى، وأنهم حشوية غير معدودين في الفقهاء، فقد أقروا بما قاسوا بالصورة بلا معنى أنهم لم يفقهوا المعنى.
واحتجوا لذلك بالظواهر التي جعلت القياس حجة.
وقالوا أنها لم تخص وصفًا دون وصف.
وقالوا في علل الشرع إمارات على الأحكام، وليست من قبيل العلل العقلية فصح التعليق بالصور، كما صح الحكم بنصوص لم يعقل لها معنى، إلا أن تلك النصوص لم يعقل فقهها تعلق بها أحكام، وهذه نصوص لم يعقل فقهها تعلق بها كينونة كل وصف علة، وأنه ضرب حكم أيضًا.
وأما الفريق الثاني: فزعموا أن حد العلة ما يتغير به حكم الحال على ما مر في صدر الكتاب، وذلك المغير الذي هو علة قط لا يخلو عن موجودات جمة معه اتفاقًا لا علة، فلا تمتاز العلة عن الاتفاقية إلا بأن يعدم التغير عن عدمه دون سائر الموجودات الاتفاقية، ولأن الوجود لما كان بالعلة لم يجز البقاء بعد ارتفاعها ألا ترى أن الملك الواقع ببيع لا يبقى مع فسخه، وكذلك كل حادث تعلق بقاؤه بسبب لا يبقى بدونه هذا لا شك فيه، قال: واشترطت قيام النص في الحالين، ولا حكم له ليتبين بذلك أن الحكم متعلق بالعلة لا بالنص، كما إذا صار النص مجازًا بدليل كانت علامة أن لا يبقى للحقيقة حكم بوجه.
ألا ترى أن آية الوضوء لما عللت بالحدث دار وجوب الطهارة معه لا مع القيام إلى الصلاة.
وكما علل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقض القاضي حين يقضي وهو غضبان" لشغل القلب دار المنع معه لا مع الغضب، حتى إذا كان به وجع شاغل للقلب، أو خوف حرم القضاء عليه، وإذا كان به أدنى غضب لا يشغل قلبه حل له القضاء.
ولما علل خبر الربا بالكيل دار الحكم معه حلًا مع التساوي كيلًا دون سائر الوجوه، والحرمة مع التفاضل كيلًا دون سائر الوجوه والنص "مثلًا بمثل والفضل ربا" قائم ولا حكم له.
فأما الجواب عن قول الحشوية: فإن النصوص الموجبة للقياس على الأصول دلت على أنها معلومة يقاس عليها، وذلك يتأدى ببعض الأوصاف فلا يصير الكل علة إلا بدلالة أخرى، ثم البعض عن البعض لا يمتاز إلا بدلالة، ألا ترى أن النصوص قد جعلت الأمة شهداء فدلت على أنهم شهود في الأصل، ولم تدل على أن كل لفظ منهم شهادة بل دلت