البرهان ليصير الشرعي بعد التأمل طبيعيًا فيعتقده العبد على طمأنينة قلب، وانشراح صدر فكان في وجوب الإسلام لقالب الشريعة حسن الطاعة والانقياد لله تعالى وفي المصير إلى القياس والمعاني المعقولة طمأنينة القلوب بالوقوف على الحجج من الطريق الذي هو معتادها في مصالح الدنيا، والإسلام لله تعالى حق، وطلب ما تطمئن إليه القلوب حسن، قال إبراهيم صلوات الله عليه: {بلى ولكن ليطمئن قلبي}.
فأما الجواب عن الأول فإن الكتاب كاف وهذا القياس منزل في كتاب الله تعالى دلالة، وإن لم يكن نصًا على ما بينا أنه نظير الاعتبار الذي ثبت نصًا بكتاب الله تعالى، وكان الحكم به حكمًا بما أنزل الله تعالى فإن الله تعالى أمرنا به، ولأنا نعرف بالرأي ما أثر في الحكم شرعًا لا أن نجعله مؤثرًا بالرأي.
وأما قوله: {لتبين للناس ما نزل إليهم} فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم المقايسة فعلم أنها مما أنزلت إلى الناس.
وأما قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم} فحجة لنا لأنه نهي عن قفو ما ليس لك به علم، وأنه يقتضي كل علم لأنه نكرة في النفي، والقياس يوجب ضرب علم من الطريق الذي يوجبه خبر الواحد وإنما لا يوجب العلم من كل وجه، وهذا كما لا يقبل العاقل على ما أمر بقصده من مصالحه بغير علم ويقبل عليه بغالب رأيه وإن لم يعلم يقينًا ويعد ذلك إقبالًا بعلم.
فثبت أن العلم ضربان: علم يقين، وعلم غالب الرأي.
والعمل بكل واحد منهما جائز للدين والدنيا ألا ترى أنهم جوزوا العمل باستصحاب الحال وأنه دون القياس.
وأما قوله: {ولا تقولوا على الله إلا الحق} فكذا نقول والقول بالقياس حق من الوجه الذي قلناه، ولأن الحق نوعان كالعلم:
أحق ما هو حق من كل وجه ظاهرًا أو باطنًا.
ب وحق عند العبد وليس بحق عند الله تعالى. والمراد به ما عند الله تعالى فيما يرجع إلى الله وصفاته، فأما فيما تعبدنا من أحكامه التي يجوز القياس بها فالمراد به الحق عندنا على ما يأتيك شرحه في باب الاجتهاد، ألا يرى أنه يعمل بخبر الواحد واستصحاب الحال.
وأما الجواب عن استدلالهم بالأخبار فما ذكرنا أن النهي منصرف إلى العمل برأي الهوى عن أن النبي صلى الله عليه وسلم مدح العالمين بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقياس من كتاب الله وسنة رسوله فإنه قاس وأمر به وعلمه، وأما الجواب عن استدلالهم باختلاف الأحكام: فإن منها ما لا يعقل، ومنها ما يعقل، ونحن لا نستجيز القياس إلا لما يعقل،