قبل الدخول بها؟ فلم يجب شهرًا، ثم قال: أجتهد فيها رأيي فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن ابن أم عبد، أرى لها مهرًا مثل نسائها، لا وكس، ولا شطط. وخالفه علي بالرأي، ولو كان عنده خبر لرد عليه.
وقال عبد الله بن مسعود في دم بين اثنين عفا أحدهما: أرى هذا إحياء بعض النفس، وقال عمر رضي الله عنه: وأنا أرى ذلك.
وأجمع عمر وعلي رضي الله عنهما على فساد بيه أمهات الأولاد بالرأي ثم رجع علي وأفتى بالجواز، وعقد مجالس الشورى مشهور من عمر ليعرف أحكام الحوادث، وكذلك من غيره، ولم يرو عن أحد خلاف ذلك.
والنهي عنه محمول على ما حملنا عليه نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن "أرأيت" على سبيل التعنت، أو ترك الاكتفاء بالمشروع مع الغنية عن الزيادة كما قال الله تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتركوني على ما تركتكم عليه فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" أو المراد به النهي عن المقايسة بالصور دون الاستدلال بالمعاني كما ظهر اليوم من أصحاب الطرد ألا ترى أن النهي يروى عن عمر وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما والقول بالرأي منهما أظهر من الشمس.
ووجه آخر: أن الله تعالى سمى هذا الدين نورًا، وشرحًا للصدور فقال: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} وفي إلزام العمل بالنص على حجر عن التأمل في العلل المعقولة بالرأي ضرب حرج، وهذا مما يعرفه كل عاقل من نفسه إذا تأمل في حاله.
ولأن القلب يبصر بالغائب كالغيب بالحاضر، ومعقول القلب بالرأي كمرئي العين بالبصر، وإنا نرى ضال الطريق حرجًا صدره وينشرح بعض الانشراح بقول الهادي إذا عرفه صادقًا، ويتم الانشراح ببصره بعينه الطريق العادل وإعلامه، فكذلك القلب إذا عقل الحكم برأيه انشرح الصدر به غاية، وإذا قلد الحاكي بقي معه بعض الحرج وإن اعتقد صدقه ولا اختلاف أن الدين يشرح الصدور بأتم ما يكون من النور.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا والشرع ما جاء إلا بخلاف معتاد الصدور مما عقلته من الأمور؟.
قلنا: نعم جاء هذا بخلاف معتاد المعقول بهوى النفس وإشارته لكن بمعقول خير منه ما كان القلب يعقله بدون الشرع وعباراته، فكان خلاف المعتاد قبل البيان ووفاقًا بعد