وكان النظر بالرأي لنعرف الحكم بحده من الحجج الشرعية، بمنزلة النظر في الأسامي اللغوية لنعرف المسمى بوصفه، ما بينهما فرق إلا من حيث أن الأسماء مما تعرف مسمياتها من جهة واضعيها.
والحجج مما تعرف أحكامها من جهة شارعيها.
فالحجج نصوص عربية.
والأحكام كذلك لها أسماء عربية.
وكان النظر لتعرف الوصف المؤثر في الحكم من النص ليمكن استعماله في غير المنصوص عليه بمنزلة تعرف جهة استعارة الأسماء لغير ما وضعه واضع اللغة ليمكننا الاستعمال في غير ذلك، لأنا لا نعرف المؤثر إلا بالعيان أو السماع من صاحب الشريعة على ما مر، كما لا نعرف طريق الاستعارة إلا من العرب فكان البابان واحدًا إلا أن المصير في أحد البابين إلى سماع العرب وفي الآخر إلى سماع صاحب الشريعة فيما نعرفه سماعًا.
وفيما نعرفه عيانًا فهو كاستعمال الرأي في قدر قيم المتلفات بنظائرها التي عرفت نظائر بالعيان وجهة الكعبة التي عرفت أعلامها بالعيان.
وتبين أن قولنا: إن الكيل والجنس علة لصيرورة الحنطة أمثالًا متساوية إثبات بوصفين ظهر أثرهما في المساواة والتماثل شرعًا وحسًا، فوق أثر الزنا في إيجاب الرجم.
وإن قولنا: إن سقوط قيمة مالية وصف الحنطة بانفراده شرط ليبقى قدر المالية في الحنطة مع قدر ذاتها معنى معقول حسًا لأنه ما بقي متقومًا ازداد الجيد الأقل في قدر الذات على الأزيد بذاته بزيادة الجودة، كقولنا: إن الإحصان سبب لتغليظ حكم المعصية، قول عرف ذلك شرعًا بل فوقه لأن المعقول عيانًا وحسًا فوق المعقول سماعًا.
وإنما اشتبه على مخالفينا لقلة تأملهم في الأحكام ليعرفوها بأوصافها وترتيبها بعضها على إثر بعض بعلل مترتبة، حتى وقع عندهم أن الذي ثبت بناء على غيره، ثابت بالعلة التي ثبت الأول فلم يجدوه مؤثرًا بالشرع فيه فأنكروا، وظنوا أنا جعلناه حجة باقتراح الرأي الذي جاء الشرع بذمه وجعله مدرج الضلال. ثم نسبنا بأن فهم أنا ننصب عللًا وحججًا باقتراح الرأي إلى الغفلة عن النصوص لاستغنائنا بالرأي عنها.
ولم يعلم أنا لم نجعل الرأي حجة إلا عند عدم النص والعدم لا يثبت من حيث يصير العبد معذورًا إلا بعد الجد في الطلب من أهلها والمحافظة عليها بعد الطلب.
ثم لم نطلق له القياس إلا بأوصاف مؤثرة ثبت تأثيرها شرعًا، ولم يعرف ذلك إلا بتتبع معاني النصوص، وطرق تعليلات صاحب الشرع بعد المحافظة على النصوص إلا أنا