حكم المعصية، فكانت علة لغلظ حكم الزنا معه فصار موجبًا رجمًا بعدما كان موجبًا جلدًا دونه.
وقد عرف هذا الأثر في التغليظ بالنص بأن توعد الله تعالى نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن- بالعذاب ضعفين بنعمة القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكذا نحن خصصنا الكيل والجنس من بين سائر الأوصاف بإحالة الحرمة إليهما من هذا الطريق.
وبيان ذلك: أن قوله: "الحنطة بالحنطة" عبارة عن بيعها بجنسها وقوله: "مثلًا بمثل"، تفسير وبيان للشرط الذي يجوز معه، "والفضل ربا" أي حرام، والفضل: مال مستحق بالبيع كسائر الأموال فيلزمنا أن نعرف حرمته من الوجه الذي يحرم أصل المال بسبب البيع لأن كل واحد مال مكتسب بالبيع، وإنما ظهر تحريم بيع المال المكسوب به إذا ملكه بغير مال، كشراء مال بغير عوض أو بعوض ليس بمال كالشراء بالحر فالحرمة للخلو عن المال بسبب أن التملك كان بلفظ البيع فإنه لو ملك بلفظ الهبة يحل نحو أن يقول ملكتك هذا العبد هبة بلا مال.
وكذلك الفضل في غير هذا البيع حلال كشراء عبد بعبدين وثوب بثوبين ولؤلؤة بلؤلؤتين وقفيز بقفيزين حال اختلاف الجنس.
وكيف لا يحل والربح إنما يتحقق بالفضل والبيع، وهو تجارة وهو سبب الاسترباح ولهذا الغرض فتحت الأسواق فوجب إثبات هذه الحرمة بالبيع من الوجه الذي ظهر أثر البيع فيه بالنص والإجماع، وذلك في إثبات حرمة الفضل للخلو عن العوض كما أحيل الحد في قصة ماعز إلى الزنا.
وأيضًا لئلا يكون هذا الحكم مناقضًا لحكم فضول سائر البيوع فإنها تحرم في البيوع كلها إذا أخذت بغير عوض، لأن السبب واحد وهو البيع، والمال واحد وهو فضل ذات لأحدهما على الآخر وإنما اختلف اسم المال ولم نر لاختلاف اسم المال وحده في سائر الأموال أثرًا في تغيير الحكم، ولما وجب إثبات الحرمة بهذا الوصف ولم يثبت الخلو عن العوض مع وجود المقابلة مالًا بمال في أصل البيع إلا بتقييد بشرط المماثلة نحو أن يقول: بعتك هذا المكيال من الحنطة بمثله على أن تسلم إلي مكيالين.
فإنه متى قال هذا صار الزائد على المكيال بلا عوض.
أو يقول: بعتك هذا العبد بهذا العبد على أن تسلم إلي العبد مع عبد آخر أو ثوب فإنه يصير ربا لأنه لم يبق للزائد عوض لما قصر المقابلة بالنص على العبد بالعبد، وشرط المماثلة لم يوجب من المتعاقدين لتجب القسمة كذلك فيخلو الفضل عن العوض فعلم أنه موجود من الشرع كما قال: "الحنطة بالحنطة مثلًا بمثل" أي: حلًا له مقصور على شرط