بالرأي لأنه استنباط معنى لا يدل عليه اللسان فيعلق به حكم الله تعالى.
فأما من الوجه الذي يدل عليه اللسان فحسن نحو اختلاف عبد الله بن عباس وزيد رضي الله عنهما في زوج وأبوين؟ فقال عبد الله: للأم ثلث المال كاملًا، لأن الله تعالى لم يقل: ثلث ما بقي.
وقال زيد: لها ثلث ما بقي لأن الله جعل للأم ثلث ما يرث الأبوان، وإرث الأبوين في هذه المسألة بعد الزوج.
ووجه آخر أن الله تعالى جعل أحكام الشرع متباينة كمقادير العبادات والعقوبات والكفارات ولم يشرعها نظائر ليبين لنا أن الشرع باب لا مدخل للرأي فيه.
ووجه آخر أن أصل الشرع على ما هو من أحكام الله تعالى في الإيجاب والإسقاط والإحلال والتحريم خالص حق الله وحق الله ما ينبغي إلا بحجة فاصلة موجبة للعلم قطعًا لأن الله تعالى لا يشتبه عليه حق والرأي لا يوصلنا إليه.
ولأن أكثر النصوص التي عللت بعلل مختلفة وحجج الله تعالى لا تثبت مختلفة فإنها نتيجة الاشتباه، والله تعالى علي غني عن ذلك ولا يلزم أخبار الرسول فإنها في الأصل غير مختلفة، وإنما اختلفت الرواية، والحجة هو الخبر لا الرواية.
وهذا كما يشتبه علينا من كتاب الله تعالى ناسخه من منسوخه، وقد يتعرف بالرأي ويعمل به ولا يكون قياسًا.
قالوا: وكان في حجرنا عن القياس أمران بهمل قوام الدين ونجاة المؤمنين، فإنا متى حجرنا عن القياس لزمنا المحافظة على النصوص والتبحر في معاني اللسان.
وفي محافظة النصوص إظهار قالب الشريعة كما شرعت.
وفي التبحر في معاني اللسان إثبات حياة القالب فتموت البدع بظهور القالب.
فعند ظهورها يتبين عنه الذي هو بدعة وفي حياة قالبه سقوط الهوى لأن القالب لا يحيى إلا باستعمال الرأي في معاني النصوص ومعانيها غائرة جمة لم تنزف بالرأي.
وإن فنيت العمار فيها فلا نفضل الرأي للهوى فيتم أمر الدين بموت البدع ويستقيم العمل بسقوط الهوى وفيها الفوز والنجاة للناس، فهذا أعدل طريق لنفاة القياس وسنذكر أقسامهم من بعد إن شاء الله تعالى.
وأما عامة العلماء فإنهم احتجوا بقول الله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} أمر بالاعتبار، وأنه عبارة عن رد الشيء إلى نظيره.
والعبرة أصل يرد إليه النظائر والقياس مثله، فإنه حذو الشيء بنظيره، يقال: قس النعل بالنعل أي أحذه به.