شريعته أن الله لا ينسخ الكتاب بلسانه كي لا يظهر عليه ما يؤدي إلى مخالفة الكتاب سدًا لباب الطعن عليه.
وأما النسخ السنة بالكتاب: فيحتج له بقوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} [النحل: 89] وإذا صار القرآن تبيانًا لكل شيء, والسنة شيء فيكون الناسخ بيانًا لحكم تلك السنة أنه كان غلطًا, كما لو نزل مقارنًا, وما يجوز ذلك إلا حين الوقوع لأن تصديقنا إياه كان يفترض علينا من جهة الله تعالى بعد التمكن فيصير أمره بعد القرار كأمر الله تعالى فلا يجوز الغلط بعد القرار.
وما كان جائزًا أن يقر رسول الله صلى الله عليه وسلم على خطأ, ولأن الله تعالى أمرنا في غير موضع من كتابه باتباع الرسول.
وفي نزول الكتاب بخلاف السنة أمر بمخالفته إما حقيقة وإما ظاهرًا, فيكون فتحًا لباب الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسد الله تعالى هذا الباب إكرامًا لرسوله وصيانة لشريعته فلم ينزل كتابًا إلا مصدقًا لما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم ينطق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متبعًا لما في الكتاب مبينًا له أو زائدًا ما ليس فيه ليزداد علم ما في الكتاب برسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانه ويزداد ثبوت صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته بتصديق الكتاب إياه.
فتكون السنة مع الكتاب مما يتأيد كل واحد منهما بالآخر إذ كل واحد منهما حجة من حجج الله تعالى, وحجج الله تعالى لا تتناقض ولا تتراد بل تتأيد.
وهذا كما قيل: أن الشرع حجة والعقل حجة من حجج الله تعالى, وإنهما لا يستدل بهما إلا على سبيل التعاون والتأييد على ما بيناه في آخر الكتاب.
وأما علماؤنا رحمهم الله فمن مشايخنا من احتج عليهم بآية الوصية "للوالدين والأقربين" حيث نسخت بقوله النبي صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث".
فإن قيل: إنما نسختها آية المواريث.
قلنا: آية المواريث أوجبت لهم مالًا بسبب آخر, والإيجاب بسبب لا يرفع إيجابًا كان بسبب آخر قبله, ولأن آية المواريث توجب إرثًا بعد وصية أو دين فيوجب تقريرها ولا يوجب رفعها.
فإن قيل: يحتمل أن الله تعالى أنزل آية أخرى ناسخه إلا أنها لم تبلغنا لأنها نسخت تلاوتها وبقى حكمها؟
قلنا: لا يجوز الإحالة إلى دلائل محتملة الثبوت لم تظهر, لأنه لو صح هذا الباب