باب
قال علماؤنا: يجوز نسخ الكتاب بالكتاب, ونسخ السنة بالسنة, ويجوز نسخ الكتاب بسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم, ونسخ السنة بالكتاب.
وقال الشافعي: القسمان الأخيران لا يجوز.
قال الشافعي في كتاب (الرسالة): وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينسخها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلو أحدث الله لنبيه في أمر سن فيه غير ما سن رسول الله لبين فيما أحدث الله تعالى إليه, حتى يبين للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفها.
وبالإجماع لا نسخ بالرأي لما ذكرنا أن النسخ لا يجوز إلا على طريق بيان مدة بقاء الأول حسنًا عند الله تعالى, وهو غيب عنا كمدة حياة الحي.
احتج الشافعي لقوله: الكتاب لا ينسخ إلا بالكتاب في كتاب (الرسالة) بقوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا اثبت بقران غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي} والنسخ بالسنة تبديل من تلقاء نفسه.
وقد يحتج له بقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} فأخبر الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم مبين لما نزل إليهم, والنسخ تبديل.
ولأنه قال: {ٍولعلهم يتفكرون} أي فيما تبين لهم, والتفكر إنما يقع في معنى ما بين لهم, ولا يقع في مدة الأول بالنسخ لأنه تاريخ, والتواريخ تحفظ لا أن يتأمل تفسيرها.
ولأن مدة البقاء لم تنزل إليهم لما ذكرنا أن الثبوت كما بالنص, والتنزيل.
فأما البقاء فثابت بلا دليل ويحتج له أيضًا بقوله تعالى: {ما ننسخ من أية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} والسنة لا تكون مثلًا للآية وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق فاقبلوه وما خالف فردوه) , والناسخ مخالف لما في الكتاب فيجب رده بهذا الحديث.
فتبين بهذه الأدلة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق من قبله بمخالفة الكتاب, وكان من