باب
أما التفسير: فالنسخ هو التبديل والإبطال ونحو ذلك، تقول العرب: نسخت الشمس الظل؛ إذا أبطلته، ونسخت الرياح الديار، إذا أبطلت أعلامها، ونسخت الرسوم؛ إذا بدلت.
ومنه مذهب التناسخ وهو: تبديل جسم بجسم آخر بالروح الأول.
ومنه انتساخ الكتاب وهو: نقله إلى كتاب آخر نقل مثله، وهو نقل مثل المكتوب الأول لا نقل الأول بعينه إلى الثاني لأنه لا يتصور فسمي النقل بحسب الإمكان انتساخًا مجازًا.
ومنه نسخ الشرائع بتبديلها بشريعة أخرى، وقد نطق القرآن بالنسخ {ما ننسخ من اية أو ننسيها}، ونطق بالتبديل {وإذا بدلنا أية مكان أية}.
وأما الجواز: فقد قال به أهل الإسلام إلا قليلًا لا يعتد بهم قالوا: إنه لا يجوز.
وقالت اليهود: النسخ باطل إلا أن منهم من أبى جوازه عقلًا، ومنهم من جوزه عقلًا وأبى شرعًا فصاروا فريقين، وكذلك المسلمون فريقان إلا أن من أنكر جوازه قوم لا يعتد.
فأما الذين أبوه شرعًا سمعًا فقد احتجوا بأنهم وجدوا في التوراة (تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرضون) فثبت أنه دائم بالنص إلى يوم القيامة، وفي تجويز النسخ ارتفاعه فيكون بخلاف ما نص عليه وفيه تناقض، ولأنه لا خلاف أن وقت الثبوت متى نص عليه لم يجز النسخ فيه قالوا: ولأنه بلغنا بالتواتر عن موسى عليه السلام أنه لا نسخ لشريعته كما تدعون أنتم ذلك في شريعتكم وتحتجون له بالتواتر.
وأما الذين قالوا: لا يجوز عقلًا، فقالوا: إن الله لا يشرع شريعة إلا لحسنها ولا ينهى عن فعل إلا لقبحه، فلما دل الشرع على الحسن لم يجز النسخ والرفع إلا للقبح، ولا يتصور القبح إلا بتبين الغلط، ولا يجوز ذلك على الله تعالى، ولأن الأوامر المطلقة ثابتة أبدًا ألا ترى أنها تبقى ما لم يظهر نسخها موجبة كذلك كما كانت موجبة ابتداء فصارت بمنزلة ما لو نص على الأبد ولو نص على الأبد فقال: افعلوا كذا أبدًا، لم يجز نسخه فكذلك هذا.
وأما الفريق من المسلمين فقوم لا يمكنهم الخروج عما ثبت في القرآن من النسخ