وهذا كما استغفر إبراهيم لأبيه عن موعدة وعدها إياه حتى بين الله تعالى له أنه لم يؤمن فتبرأ منه.
وأما قصة بقرة بني إسرائيل فذلك الوصف عندنا زيادة على الإطلاق ولم يكن له حكم النسخ على ما مر بيانه، والنسخ لا يكون إلا طارئًا.
وهكذا روي عن ابن عباس: أنهم لو عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لكفاهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم. اللفظ كما هو.
وأما آية (ذوي القربى) فلا عموم لها، لأن القربى تحتمل ضروب قرب، وضروب قرابات بنفسه وبأبيه وجده وجد جده إلى آدم عليه السلام فلا يمكن تعميمها، وكل لفظ لا يمكن إثبات عمومه يجب التوقف فيه كقول الله تعالى: {وما يستوى الأعمى والبصير} فصح البيان متراخيًا فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال لهم أن المراد بها القربى بنصرتي لا بنفس النسب، أو المراد بها قربى عمومتي من بني هاشم دون غيرهم إلا أن بني المطلب التحقوا بهم بسبب النصرة.
وأما البيان بالفعل متراخيًا فلا يصح بخلاف عموم وجب القول بظاهره، وإنما يجوز على الوجه الذي يجوز بالقول، وإنما لا ننكر تأخير البيان قولًا، وفعلًا على ما بينا وإنما ننكر أن يكون التخصيص الطارئ بيانًا للعموم بل نقول إنه بمنزلة النسخ إلا عمومًا ثبت خصوصه بدليل مقارن، فتكون زيادة التخصيص بعد ذلك بيانًا لما ثبت من التخصيص بالدليل المقارن من حيث إنه يجعله من قبيله، لا أن يكون بيانًا للعموم بحال فإن البيان حده ما ذكرنا من تفسير الكلام على محتمله وضعًا أو معنى أو تقريرًا لما ثبت منه بزيادة بيان فأما معنى لا يثبت منه إلا بدليل يصده عن وجهه إلى غيره، فلا يكون بيانًا إلا على سبيل المقارنة لأن الصاد متى اقترن به منع عمل مطلقه فأما إذا لم يقترن به عمل اللفظ عمله عند عدم المانع فيصير المانع بعده رافعًا لا محالة فلا يكون بيانًا، والله أعلم.
وأما الجواب عن فصل الميراث والوصية: أن شرط الإسلام في باب الميراث من باب الزيادة على المطلق، وذلك من النسخ عندنا دون التخصيص، وقد ثبت بخبر اقترن به الإجماع أو بآية قطع الولاية بيننا وبينهم وقد احتمل أن آية قطع الولاية كانت قبل آية المواريث، وأما الوصية فتحتمل أن السنة في الثلث كانت قبل الآية فكان البيان مقارنًا، والله أعلم.