نحو قوله: {ما ننسخ من أية} الآية وقوله: {وإذا بدلنا أية مكان أية} ونسخ بيت المقدس بالكعبة في باب القبلة, ونسخ حد الزنا من الإيذاء والحبس بالجلد, ولا وجه لقولهم مع الإقرار بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وانتساخ سائر الشرائع بشريعته.
وأما الحجة للمسلمين: فهو أن النسخ عندنا إنما يجوز لأحكام تحتمل أن لا تكون مشروعة ثابتة لولا الشرع, ويرد النسخ علي البقاء ثابتًا فيما يحتمل أن تثبت مؤقتة بالنص وسكت النص عن ذكر المدة على ما بيننا بعد هذا, لأن المدة لما لم تذكر واحتملت البيان.
ولما كان بيانًا لما غاب عنها من قدر المدة وهي معلومة عند الله تعالى من الابتداء لم يكن رجوعًا, ولا رفعًا لثابت تبين الغلط فيه, وكان إحياء الله تعالى شريعته بأمره يحتمل التوقت كإحياء الله تعالى إنسانًا أو تكوين العالم ثم كانت الإماتة والإفناء في الحق الله تعالى بيانًا لمدة البقاء ولم يكن فيه بد وغلط فيما أبرم وحكم فكذلك هذا لأن الله تعالى كما لا يأمر إلا لحكمة حسنة فكذلك لا يخلق إلا لحكمة حسنة.
فإن قيل: لما لم يوجب شرع الأحكام بقاؤها كيف بقيت اليوم؟
قلنا: إن البقاء بدليل آخر كما في كل العالم, وكما قيل في إحياء الشخص أنه لا يوجب البقاء بل هو بدليل آخر أو بعدم ما يعدمه, وأنه في الجملة في زمان الوحي بمنزلة حي يغيب ولا يدري حاله فإنه في نفسه على الحياة حتى يقوم دليل الممات لأنه في نفسه يحتمل البقاء والموت, والأصل هو الحياة فاستصحبنا تلك الحالة ولم نبدلها بالاحتمال فكذلك ما حسن من الأحكام بالنص احتملت البقاء كذلك حسنة، واحتملت التبدل والزوال, ولا تبدلها بالاحتمال.
فإن قيل: فعلي هذا لا يكون نسخًا للأمر.
قلنا: نعم ولا يجوز النسخ لأصله لأنه لا يجوز إلا بعد تبيين الغلط فيه, ولكنه نسخ للبقاء في حقنا ظاهرًا لأنه ما ارتفع في حقنا إلا بالناسخ فأما في حق الله تعالى فانتهاء كالقتل يجعل قطعًا للحياة في حق العباد وهو نهاية في علم الله تعالى، وموته بأجله المكتوب له فكان النسخ على الحقيقة بيانًا لمدة البقاء كالموت للحي غير أن قدر المدة لما غاب عنا.
ولولا الناسخ لزمنا الحكم بالأول أبدًا, وبالناسخ رفع الحكم فسمي نسخًا, ولا إشكال أن الأخت كانت حلًالا للأخ في شريعة آدم عليه السلام, وبذلك تناسلوا, وأنه حرام في شريعة موسي عليه السلام.