ولم يكن هذا بيان الأول بوجه بل كان كلامًا مبتدأ جاء به لإزالة اللبس وأعرض عن الأول من غير إفحام.
وأما قصة لوط: فكان البيان فيها مقرونًا بالنص: فإن الرسل عليهم السلام قالوا: {إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين} فأخبروا بالهلاك بسبب الظلم فكان لوط عليه السلام وأهله لا يدخلون تحت هذا النص، إلا أن إبراهيم عليه السلام اغتم للوط عليه السلام وإن لم يدخل تحت النص فإن العذاب قد ينزل خاصًا بالظالمين، كما كان بأصحاب السبت.
وقد ينزل عامًا كما قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} ولما كان السؤال لإشكال ثبت له باحتمال الحال دون النص صح ورود البيان متراخيًا للحال دون النص، ويحتمل أنه سأل عن حال لوطًا عليه السلام وإن علم بنص الملائكة على سبب الهلاك؛ أن لوطًا عليه السلام غير داخل تحتهم ليزداد علمًا بنص خاص في لوط ليزداد به طمأنينة القلب كما سأل ريه فقال: {رب أرنى كيف تحى الموتى}، وإن كان علم تلك القدرة، ولكن قال ليطمئن قلبه بزيادة البصيرة بالمعاينة على أن الملائكة كانوا نصوا على استثناء لوط إنا لمنجوهم أجمعين* إلا امرأته} إلا أن الله تعالى لم يحك الاستثناء في بعض القصص اختصارًا أو اكتفاء بما دل عليه اللفظ.
وأما قصة نوح فكان بيان الابن مقرونًا بالنص فإنه قال: {وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم} فكان استثنى من أهله من سبق عليه القول غير أن نوحًا عليه السلام لم يتيقن بالاستثناء بلا نص على ابنه أنه ابنه وظن- والله اعلم- أنه استثنى من سبق عليه القول من الكفرة، فإن الاستثناء يحتمل ما ذهب إليه نوح بين الله تعالى لنوح فقال: {إنه ليس من أهلك} بل هو ممن سبق عليه القول فكان تقريرًا لظاهر الاستثناء وصح متراخيًا.
ويحتمل أن نوحًا عليه السلام لما دعاه بعدما نزل العذاب وقال له: ولا تكن مع الكفرين} ظن إجابته بعدما غاب عنه بسبب تلك الأهوال فسأل ربه بناء على ظنه فقال الله تعالى: {إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم} وإنه لم يؤمن وإنه ليس من أهلك معنى، وكان اعتقاد نوح إنه من أهله على ظنه الإجابة لا عن نص الله تعالى على أهله، فإن الله تعالى كان استثنى من النص من سبق عليه القول وكان الجواب من الله تعالى بيانًا لما تخيل لديه لا للنص.