تعالى بني إسرائيل بذبح بقرة وتأخير بيان أوصافها إلى إن سألوا ولأن البيان مرة يكون بالقول ومرة يكون بالفعل كما قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) والبيان بالفعل لا يكون إلا متراخيًا.
وقال الشافعي: الله تعالى أثبت المواريث بين الناس ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم يبن أن لا ميراث بين أهل الكفر والإسلام، وأثبت الميراث بعد الوصية مطلقًا، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد به وصية من الثلث فما دونه.
فأما الجواب عن الأول: فإنا نجوز البيان متراخيًا كما قال الله تعالى، ولكن نقول: ما فيه رفع أو تغيير لا يكون بيانًا إلا متصلًا وإذا جاء متراخيًا كان نسخًا، والنسخ لا يكون بيانًا ألا ترى أن من الآيات ما هي محكمات كآيات صفات الله تعالى لا تقبل النسخ، وهي قابلة للبيان والتقرير فثبت أنهما مختلفان وعلى ما نبينه بعد هذا في باب النسخ.
وعن الثاني: أن عيسى والملائكة عليهم السلام لو يكونوا دخلوا تحت قوله: {وما يعبدون} بطريقين:
أحدهما: أن الله تعالى خاطب قريشًا بذلك وهم كانوا عبدة أوثان.
والثاني: أن كلمة ما عام فيما لا يعقل ولا يدخل تحتها من يعقل إلا على سبيل المجاز، وكان الكفر متعينين بمعارضتهم متكلمين بلبس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت عن جوابهم إعراضًا عن اللغو كما قال الله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه}، {وإذا مروا باللغو مروا كرامًا} ثم إن الله تعالى تولى الجواب ببيان شاف يرد لبسهم فقال: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} فكان بيانًا زائدًا لا واجبًا كما قال الله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس} وهو لم يكن منهم فكان الاستثناء بيانًا صورة، وهو استثناء مقطوع عن الأول معنى.
وكذلك قوله: {لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما* إلا قيلا سلاما سلاما} فهذا بيان ما فيه تغيير للأول ولا تقرير بل زيادة حكم على سبيل الابتداء غير متصل بالأول حقيقة وإنما يتصل به صورة فكذا فيما نحن فيه.
ونظير ذلك محاجة إبراهيم نمرود اللعين حيث قال: {ربي الذي يحي ويميت} وكان
يحاجه بإحياء حقيقي فقال اللعين: {أنا أحى وأميت} وإنما أراد إحياء مجازا بدفع سبب الهلاك عن حي فأعرض إبراهيم عن جوابه وجاء بما يزيل اللبس عن العامة فقال: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتب ها من المغرب}