يقع عن استدلالٍ كما يكون مثله عن العقليات الموجبة للعلم يقينًا فإن العلم بحدوث المحسوسات يقع عن اضطرار يعرفه كل إنسان ذي بال والعلم بالصانع يقع عن استدلال.
قال عيسى بن أبان: الأخبار ثلاثة أقسام:
أقسم يضلل جاحده، كخبر الرجم.
ب وقسم يخشى المأثم على جاحده، ولا نضلله كخبر المسح بالخف.
جـ- وقسم لا يخشى المأثم على جاحده كالأخبار التي اختلف العلماء فيها في مسائل خلافهم.
فلم يكفر عيسى من جحد المشتهر.
ثم جعل المشتهر بعضه فوق بعض في الرتبة وهو الصحيح عندنا.
ويسمى العلم عن الخبر المتواتر علم يقين وعن الخبر المشتهر علم طمأنينة، وعن الخبر الغريب علم غالب الرأي، وعن الغريب المستنكر علم ظن.
فهذه المراتب أربعة للعلوم ثبتت بمراتب الأخبار، والدليل على ذلك: أن المشتهر لما لم يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم بالتواتر، ولكن بالآحاد تمكنت الشبهة في الاتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو ما ذكرنا في أخبار اليهود والنصارى والمجوس إلا أنها لما اشتهرت في السلف وتواترت ولم يظهر منهم رد اطمأنت النفوس إلى قبولها والعمل بها، لأنها شاهدت قرنهم لا من قبلهم فاطمأنت النفوس إلى ما شاهدت، والعادات تثبت بالحواس لا بالاستدلال، ولهذا تتبدل الشرائع بالبدع إذا اشتهرت في الناس لأن الحواس تشاهدها، ولا يمكن ردها إلا بالاستدلال، ألا أنا جعلنا المشتهر حجة شرعية يجوز بمثلها الزيادة على كتاب الله تعالى، ونسخ الآيات أيضًا لأن السلف كانوا أئمة الدين وكان إجماعهم حجة، وما كان فيهم تهمة فلما تواتر النقل فيهم ولم يظهر رد منهم صار حجة من حجج الله تعالى حتى زدنا على كتاب الله تعالى الرجم.
وزدنا تحريم عمة المرأة على الكتاب.
وزدنا على أعضاء الوضوء الخف بالسنة.
والتتابع على صوم كفارة اليمين.
والزيادة عندنا تجري مجرى النسخ إلا أنا أبقينا مع هذا شبهة الآحاد الثابتة في الطرف الأول فلم نكفر جاحده، وحططنا رتبته عنه رتبة المتواتر، وهذا لأن الله تعالى كما لا يكلفنا ما ليس في الوسع وما جعل في الدين من حرج بنص الكتاب وكما لا نجد في الوسع، رد العلم بالمتواتر يخرج برد المشتهر فإنا لا يمكننا الفرق بينهما على ما عليه الجبلة إلا بحد استدلال.