ثم الاستدلال فيما نحن فيه يوجب القبول فلزم القول به شرعًا ما لزم طبعًا لكن على ضرب شبهة بيناها، وظهرت الشبهة في حق التكفير دون العمل فصار المتواتر موجبًا علمًا يزداد يقينه بالتأمل في سببه الداعي إليه من طريق الضرورة على ما عليه جبلة النفوس، وإنما الشك يعتري القلب بضرب وسواس كما يعتري بعض الناس فيما يدرك بالحواس، وصار المشتهر موجبًا علمًا بمنزلة المتواتر بقلة التأمل، ومتى تأمل السامع حق تأمل، وجد في أوله ما يوجب ضرب شبهة في آخره فيكون العلم به لسكون النفس إلى ما ظهر له به، فلذلك سميناه علم طمأنينة.
فإن قيل: فكيف لم يجب العلم بخبر اليهود، وقد اشتهر؟
قلنا: بمعارضة ما هو فوقه سقط اعتباره، وكذلك سبيل كل حجة.
وأما الغريب المقبول: فما اختلف العلماء خلفًا وسلفًا من أحكام الحوادث على ورود أخبار فيها متعارضة قبلها بعضهم وردها بعضهم بلا إنكار ولا تضليل حسب اختلافهم في مثلها بالمقاييس المتعارضة، فيكون العلم به علم غالب الرأي على نحو ما يقع بالمقاييس المتعارضة.
وأما الغريب المستنكر: فنحو ما ذكرنا من الوجوه التي رد السلف بها الأخبار، وربما نخشى الإثم على العامل كما خشينا الإثم على تارك المشتهر لأنه قرب من اليقين، وهذا قرب من الكذب فيكون العلم به علم ظن على تحري الحق كالذي تشتبه عليه القبلة فيتوجه إلى جهة بتحري قلبه بلا دليل.