أما الكتاب فلأن الله تعالى قال: {واستشهدوا شهيدين} الآية أمر بالاستشهاد لإحياء الحق فكان الأمر مجملاً في حق ما هو شهادة كقول القائل: كل مجمل في حق بيان المأكول، فلما قال، {شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} كان بياناً لجميع ما دخل تحت الأمر كقول القائل: كل هذا الطعام أو هذا، وجالس فلاناً، وكقولك للآخر: استشهد زيداً أو بكراً على صفقتك، لم يكن استشهاد غيرهما من المأمور استشهاداً غيرهما من المأمور استشهاداً بحكم الأمر لا محالة، بل يكون زيادة عليه، وكذلك ههنا يكون الشاهد واليمين زيادة، والزيادة على النص في حكم النسخ عندي على ما نذكر فيكون خلافاً على أصلي.
ولأنه قال: {وأدنى ألا ترتابوا} فجعل المذكور أدنى ما تقطع به الريبة من الشهادات فمن جعل الشاهد، واليمين حجة كانت أدنى من المنصوص عليه في الشهادة فيكون خلافاً للنص بعينه.
ولأن الله تعالى بين ما هو المعتاد بين الناس في الشهادة من شهادة الرجال وما لا يوجد عادة من شهادة النساء، فإن النساء لا يحضون مجالس الحكام للشهادات عادة ولو كانت اليمين مع شاهد حجة وهي شهادة تستوفي من الخصم الذي يحضر عادة لم يصلح النقل إلى بيان ما ليس بمعتاد مع ترك ما هو المعتاد ولا كان لائقاً بالحكمة، ولأن النقل إلى غير المعتاد دليل الاستقصاء وحقيقة الاستقصاء في الإتيان على الكل.
وكذلك في آية الوصية أمر بشاهدين منا أو من أهل الذمة وذلك اليوم ليس بحجة فعلم أنه لم يكن بعد الشاهدين منا حجة أولى من شهادة الذميين ولأنه أمر الشاهدين بالقسم لإثبات الحجة وهو اليوم ليس بحجة فلو كان يمين المدعي حجة ثابتة لما عدل عنه إلى يمين الشاهد التي هي أبعد عن الحجة من يمين الخصم.
وأما السنة الثابتة فقوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" فهذه السنة نصت على أن اليمين غير البينة لأنها عطفت اليمين على البينة ونصت على أن اليمين على غير من عليه البينة، وخبر الشاهد واليمين يرده من طريقين: فقد جعل اليمين من البينة وعلى من عليه البينة.
ومن ذلك خبر تحريم الرطب بالتمر بعلة أنه ينقص إذا جف لأنه ورد مخالفاً للسنة الثابتة "التمر بالتمر مثلاً بمثل يداً بيد والفضل ربا " لأن الحديث قصر الربا على فضل يضاد المماثلة المبيحة لأن قوله: "مثلاً بمثل " للإجابة وقوله: "والفضل ربا " إشارة إلى