ولأن متن العام من كتاب الله تعالى ثابت يقيناً ومتن خبر الواحد فيه شبهة وإن كان معنى المتن لا شبهة فيه وفي معنى متن الكتاب ضرب شبهة احتمال الخصوص فكان ترجيح متن الكتاب لقوة ثبوته أولى من ترجيح معنى خبر الواحد لقوة ثبوته، لأن المتن قالب المعنى وقوامه فيجب طلب الترجيح من قبله أولاً إذا استويا فمن جهة المعنى، والله أعلم.
وكذلك السنة الثابتة بالتواتر أو الاستفاضة أو الإجماع لأنها بمنزلة الكتاب في إفادة العلم على ما مر.
والمشهور فوق خبر الواحد وإن كان في ثبوته أدنى شبهة، وفي هذا الانتقاد علم كثير وصيانة للدين بليغة.
فأكثر الأهواء والبدع كانت من قبل العمل بخبر الواحد اعتقاداً أو عملاً بلا عرض على الكتاب أو السنة الثابتة، ثم تأويل الكتاب بموافقة خبر الواحد وجعل المتبوع تبعاً، وبناء الدين على ما لا يوجب العلم يقيناً، فيصير الأساس علماً بشبهة فلا يزداد به إلا بدعة.
وكان هذا الضرر بالدين أعظم من ضرر من لم يقبل خبر الواحد فاضطر إلى القول بالقياس، أو استصحاب الحال، إذا لم يجد الحكم الواقع فى كتاب الله تعالى، لأن هذا الرجل ما أخذ بحكم الكتاب، وجعل أساس دينه ما فيه اليقين إلا أنه رد خبر الواحد لتهمة الكذب وشبهته ثم وقع فيما هو أبلغ منه تهمة من رأيه أو التمسك بأي أصل كان.
والأول جعل خبر الواحد أصلاً فعرض كتاب الله عليه وبنى دينه على ما لا علم له به يقيناً، فكان القول العدل الوسط أن يجعل كتاب الله تعالى أصلاً، وهو الثابت يقيناً، وخبر الواحد مرتباً عليه يعمل به على موافقته أو إذا لم يوجد في الكتاب ما فيه خبر الواحد، ويرد إذا خالف بحكمه حكم كتاب الله تعالى.
ثم القياس بعده مرتباً عليه يعمل به على موافقته أو إذا لم يوجد في الكتاب والسنة ذلك الحكم الثابت بالقياس ويرد إذا خالف الخبر الصحيح بشروطه.
ونظير ذلك عمل مخالفنا بخبر مس الذكر وأنه مخالف لكتاب الله تعالى والسنة الثابتة والإجماع.
فإن الاستنجاء بالماء مشروع بالكتاب في أهل قباء وبالسنة والإجماع.
ولا بد من مس الذكر حال الغسل بالماء على الوجه الذي جعله الخصم حدثاً والاستنجاء طهارة، والطهارة لا تحصل بما هو حدث يضاده.
ومن ذلك خبر القضاء بالشاهد واليمين، فإنه ورد مخالفاً لكتاب الله تعالى والسنة الثابتة.