فضل يضادها لا محالة وعليه الإجماع.

وخبر الرطب بالتمر جعل الربا فضلاً يتوهم حدوثه لمعنى طارئ وهو الجفاف، وفضلاً لا يضاد المماثلة المبيحة في الأصل وحرم البيع مع قيام المماثلة كيلاً فالتحريم مع المماثلة خلاف للأول بالرد والوجهان الآخران خلاف بالزيادة بجعل فضل آخر سوى المنصوص عليه فيه ربا.

إلا أن أبا يوسف ومحمداً رحمهما الله قبلا هذا الحديث ميلاً إلى أن الرطب بالتمر لم يدخل تحت قوله: "التمر بالتمر" لأن الرطب لا يسمى تمراً عرفاً حتى إذا حلف لا يأكل تمراً فأكل رطباً لم يحنث، فبقي حكم الرطب بالتمر مأخوذاً من الحديث الغريب.

وأما الوجه الثاني فلأن البلوى بالحادثة متى كانت عامة فلا بد من معرفة حكمها من الحجة، وما كان الراوي يعلم به إلا بعد النص، كان النص يشتهر لديهم لو كان ثابتاً اشتهار حكم الحادثة، لأخذهم الحكم عن النص، ألا ترى أن النص كيف اشتهر اليوم لدينا لما كان ظاهراً في الخلف فصار الخلفاء لديهم وعنايتهم بالحجج أشد من عنايتنا زيافة في ثبوته.

وقال علماؤنا- رحمهم الله- في الشهادة بهلال رمضان: قول الواحد مقبول إذا كان بالسماء علة أو جاء من موضع آخر، وإذا لم يكن بالسماء علة لم يقبل قول الواحد من أهل المصر بالهلال، لأن الناس لما شاركوه في النظر والمنظر والأعين، كان اختصاص الواحد بالرؤية خارجاً عن العادة فأوجب تهمة في خبره.

وكذلك الوصي إذا أخبر بنفقة على اليتيم كثيرة خارجة عن المعتاد لم يصدق، وإن احتمل الصديق للتهمة بتكذيب العادة.

فكذلك خبر الواحد مما سبيله الاشتهار لعموم البلوى مكذب في العادة فيرد بالتهمة.

ومن ذلك خبر مس الذكر، وخبر الوضوء مما مسته النار، وخبر التوضئ عن حمل الجنازة.

وكذلك الحادثة التي ظهر الخلاف فيها من السلف ولم تجز المحاجة بالخبر، لأنه لو كان ثابتاً لما حل لهم الإعراض عن المحاجة به، ولو وقعت المحاجة به لظهر ظهور الفتوى ولوجب الرجوع عن الاختلاف على ما عليه عاده المتدينين، فإذا لم يظهر كذب بخلاف العادة، منها: اختلاف الصحابة في زكاة مال الصبي ورواية عمرو بن شعيب: "ابتغوا في أموال اليتامى خيراً كي لا تأكله الصدقة" فأنهم لم يرد عنهم المحاجة به.

واختلاف الصحابة في عدد الطلاق أنه بالرجال أو النساء والخبر المروي: "الطلاق بالرجال" فإن المحاجة لم تجز به، فثبت أنه مخترع أو تأويله المباشر بالرجال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015