لعداوته معنا بغير حق أو لانقطاع ولايته لا لزوال عدالته فيما يظهر من أقواله وأفعاله، ففسق الاعتقاد تديناً لا يدل على فسق لا تدين به بحال.
وكذلك لا تسلب العدالة بالرق، ولا بالأنوثة، ولا بالعمى لأن هذه الأوصاف لا تدل على ترك التقوى، والعمل بالهوى بخلاف الهدى، وإنما تدل على الكذب الذي هو خلاف عقده تعاطيه بخلاف ما اعتقده حراماً بدينه وعقله لا غير.
وأما الضبط: فعبارة عن حزم في باب العلم، وله طرفان:
أ- طرف وقوع العلم له حين السماع.
ب- وطرف الحفظ بعد العلم حين التكلم.
حتى إذا سمع المرء ولم يعلم لم يكن شيئاً معتبراً كما لو سمع صياحاً لا معنى له فإذا لم يفهم اللفظ بمعناه على الحقيقة كان بين الصحة والفساد ولم يكن ضبطاً وإذا شك في حفظه بعد العلم والسماع لم يكن ضبطاً.
ثم الضبط نوعان: ظاهر وباطن.
فأما الظاهر: فضبط المتن بمعناه، من حيث اللغة.
وأما الباطن: فضبط الشيء بمعناه من حيث نطق به الحكم الشرعي، وهو الفقه، وهذا مما لا يوقف عليه إلا بعد التجربة في مسائل الفقه، ومعاني لسان العرب.
ومطلق الضبط الذي هو شرط الراوي هو الضبط ظاهراً وباطناً كالعدالة والعقل وهذا لأنه جائز نقل الخبر بالمعنى على ما يأتيك بيانه فيلحقه تهمة تبديل المتن بلفظه قل فقه المعنى لغة وضبطه فلا تقبل، كما لو لحقه تخمة تبديل المتن بروايته قبل الحفظ أو قبل العلم حين سمع، وأما من حيث فقه الشرع فيوجب ضرب وهن يجب اعتباره إذا خالفه الفقه وهو القياس على ما مر.
فإن قيل: أليس القرآن يصح نقله ممن لا يفهم معناه؟
قلنا: لأن القرآن معجزة، وإعجازه في نظمه كذلك فلم يجز نقله بالمعنى، فلم يشترط لصحة نقله علم معناه، وكذلك القرآن له حرمة متعلقة بعين النظم حتى حرمت قراءته كذلك على الحائض والجنب ولم يحرم نقل معناه عليهما، كذلك جواز الصلاة في قول الأكثرين متعلق بالعين دون المعنى، وأما خبر الرسول فحجة بمعناه وجائز نقل الخبر بمعناه فيشترط لصحة نقله ضبط المعنى.
وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: إن الشهادة لا تصح بالإشهاد حتى يعلم الشاهد ما في الكتاب. ويدل عليه أن من لا يفقه لغة العرب قلما نقل المسموع منها على وجهه فيصير متهماً بالتبديل، ولم يبلغنا أن القرآن أثبت ابتداءً بنقل من لا يحسن لغة العرب.