على أن الخبر المحتمل للكذب والصدق لا يكون باطلاً بل يجب التثبت فيه ليتبين، فإذا وافق القياس ترجحت جهة صدقه فيكون حجة من الكل.
ويحتمل أن يقال: أن خبر المشهور حجة ما لم يخالف القياس، وخبر المجهول مردود ما لم يؤيد بالقياس ليقع الفرق بين الذي ظهرت عدالته والذي لم تظهر ليكون رد العدل لعارض تهمة وقبول غير العدل بعارض دليل.
قال عيسى بن أبان في حديث عمر رضي الله عنه حين روت فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض لها بنفقة ولا سكنى- وكانت طلبت النفقة في العدة عن طلاق بائن- قال عمر رضي الله عنه: لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة، لا ندري أصدقت أم كذبت، أحفظت أم نسيت؟ أنه أراد بالكتاب والسنة القول بالقياس فإنه ثابت بالكتاب والسنة على ما نذكر، إذ لو كان عنده خبر يخالفه لروي، ولكان أيضاً يشتغل بالتاريخ ليعمل بآخرهما، وقد قبل هذا الحديث من وافق قياسه هذا الخبر.
فإن قيل: عمر رضي الله عنه إنما رد حديثها بتهمة الكذب والنسيان وبهما يرد كل خبر وإن وافق القياس!
قلنا: لو أراد به ذلك لقال: لا نقبل، ولما قال: لا ندع كتاب ربنا، فلما ذكر الكتاب- والمراد به القياس- علم أنه رد بسبب مخالفة القياس.
ولأنه قال: لا ندري هذا من هذا، وهذا حكم الجهالة بحالها لا حكم العمل بالكذب، والله أعلم.