باب
الشرائط أربعة: العقل، والضبط، والعدالة، والإسلام.
أما العقل: فلأن الكلام اسم في الشاهد لحروف مجموعة وضعت أعلاماً على المسميات، فما لم يعقل، ولم يميز الاسم عن الاسم لم يوجد منه إلا الصورة بلا معنى، فلا يكون كلاماً، كالآدمي لما كان اسماً لصورة لها معنى لم تكن الصورة من خشب آدمياً، فالعقل والمعرفة أصل لصحة الكلام من المتكلم ولهذا لا يعد صياح الطيور كلاماً، وإن انتظم له حروف وسمي ألحاناً، وكذلك الإنسان إذا نظم حروفاً فصاح بها بما ليست بلغة لم يسم متكلماً.
وأما الضبط: فلأن الباب لبيان قسم ما هو خبر والصحيح من الخبر الذي يتعلق به موجبه صدقه لا كذبه، والصدق لا يتصور إلا بعد ضبط لما سمع إلى أن نقل، فكان معنى الصدق للخبر ليثبت به موجبه لمعنى المعرفة لأصل الكلام.
وأما العدالة: فلأن السامع بعد المعرفة والضبط قد يصدق وقد يكذب، وهذا الباب لبيان خبر من هو غير معصوم عن الكذب فلا يصير خبره حجة على احتمال الكذب والصدق حتى يترجح جهة صدقه على كذبه وذلك بالعدالة، فإن تفسير العدل: من اتقى محظور اعتقاده، والكذب محظور عقده عقلاً وشرعاً، فيكون منفياً عنه بظاهر عدالته فتصير جهة الصدق راجحة، فيجب العمل بها.
وأما الإسلام: فلأن الباب لبيان رواية أحكام الشرع، ومن خالفنا ديناً يعادينا على شريعتنا بغير حق، عداوة لا تكون بعدها نهاية، والعداوة بغير حق تبعت العدو على السعي لرده ما أمكن فيصير متهماً بالكذب على شريعتنا ليهدمها بما ليس بشرع.
فهذه تهمة كذب لا بنقصان حال ولكن بزيادة حال، وهو العداوة حتى لم تقبل شهادتهم بحق على المسلمين، ولهذا لا تقبل شهادة ذي ضغن بغير حق على أخيه، ولا شهادة الأب لولده لأن شفقة الوالد تبعثه على الكذب لولده كما لا تقبل إذا شهد لنفسه، والله أعلم.