فثبت أن الصحيح أن يجعل كأنه قال: هذا حر أو هذا حر وهذا حر.
ولا يلزم مسألة الإقرار فإنا حملناه على الشركة على سبيل المقارنة بدلالة، وهو أن أول الكلام موقوف على آخره فيما يخرج بياناً وهو بذكر فلان وفلان يبين من يستحق المال ولا يستقيم البيان على معنى أن يجعل الكل للأول ثم للثاني، وإنما يستقيم على سبيل الشركة على المساواة.
فإن قيل: أليس الرجل إذا قال لامرأته ولم يدخل بها: إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق، فدخلت، لم تطلق إلا واحدة عند أبي حنيفة- رضي الله عنه- لأن التطليقات تعلقن مرتبة بحرف الواو، وعندهما: تقع جملة لأن الواو للجمع فكأن قولك: هذا مما يخالف الأصلين؟
قلنا: ما هذا الاختلاف من هذا الجانب بل أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: إن الطلاق الأول تعلق بالشرط بلا واسطة، والثاني تعلق به بواسطة بينهما، وهو الطلاق الأول لأن كل واحد منهما تعلق حين ما تكلم به، وقد تكلم بهما في وقتين فبالواو لا يجتمعان لأن الواو لا توجب الجمع وهما يقولان: تفرق أوقات تعلق الطلاق بشرط لا يوجب تفرق الوقوع كما لو تكرر الشرط فلا يتفرق بالواو، لأن الواو لا توجب التفريق.
ومن ذلك كلمة "أو" فقد زعم عامة الناس أنها للتخيير في الإثبات وللنفي في النفي محتجين بقول الله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} وكان للتخيير، وقال: {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} أي: ولا كفوراً.
والصحيح عندنا أن كلمة "أو" كلمة تشكيك لأنا متى جعلناها للتخيير مرة وللنفي مرة أخرى كان كلاماً محتملاً.
والأصل أن الاسم له معنى واحد، ويدل عليه أنك إذا قلت: رأيت زيداً أو عمراً أخبرت عن رؤية كل واحد منهما على سبيل الشك، واحتمال أنك لم تره لا يفهم غير ذلك حتى تصير كاذباً إذا رأيت أحدهما بعينه وأنت تعلمه أو رأيتهما جميعاً.
ولأنك إذا قلت: رأيت زيداً وعمراً أوجب الواو رؤيتهما.
وإذا قلت: رأيت زيداً بل عمراً فكان "بل" لإقامة عمرو مقام زيد في الرؤية على سبيل استدراك الغلط به.
وإذا قلت: رأست زيداً أو عمراً أخبرت أنك لم ترهما يقيناً وإنما رأيت أحدهما، ولكنك شككت في معرفة ذلك منهما حتى احتمل كل واحد منهما ان يكون هو المرئي وأن لا يكون، فتكون لهذه الكلمة فائدة على حدة إلا أنها إذا استعملت في الإيجابات والأوامر والنواهي والإنشاءات لم توجب شكاً لأن الشك إنما يتحقق عند التباس العلم