بشيء وذلك إنما يكون في الإخبارات، وأما الإنشاءات من إيجاب وأمر ونهي وتحريم وهي لإيجاب حكم مبتدأ، فلا يتصور فيهما شك ولا التباس وإذا بطل معنى الشك إذا استعملت في غير الخبر.
قلنا: إن دخلت بن أمرين أو إيجابين أوجبت التخيير لما ذكرنا أنها إذا دخلت في الخبر نفت دخول المذكورين جميعاً تحت ما أخبر به وثبت أن المراد به إما هذا وإما هذا لما ذكرنا أن اللفظ يتناول كل واحد منهما على سبيل الشك، وإنهما ليسا بثابتين معاً.
وإذا انتفى معنى الشك في الإيجابين بقي المعنى الآخر وهو أن الثابت إما هذا، وإما هذا فأوجب ضرورة التمكن من أداء الواجب لأن الأداء لا يتصور إلا بمعين.
وإذا دخلت بين إباحتين كقولك: جالس الحسن أو ابن سرين، وكل هذا الطعام أو هذا، صارا جميعاً مباحين لأن معنى الشك باطل لما قلنا في الأمر.
وكذلك معنى الخيار إنما وجب للتمكن من أداء الواجب، على ما ذكرنا ولا وجوب في الإباحة فلم يثبت الخيار.
وإذا دخلت بين نفيين أو تحريمين كقول الله تعالى: {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} صارت بمعنى "ولا"، وكذلك إذا حلف فقال: والله لا أكلم فلاناً، أو فلاناً.
لأن معنى الشك ساقط لما ذكرنا في الإيجاب.
ومعنى الخيار ساقط لأنه لا فعل عليه في التحريم والخيار كان لضرورة الإمكان من الفعل فبقي معنى دخول كل واحد منهما على الإنفاد بلا خيار.
وكذلك إذا قال: ما رأيت زيداً أو عمراً، لو انصرف إلى نفي رؤية أحدهما دون الاخر لصار بمعنى قوله: رأيت زيداً أو عمراً فيكون حينئذ النفي والإثبات واحداً، بل لما ثبت بقوله رأيت زيداً أو عمراً رؤية كل واحد منهما على الشك صار ذلك بعينه منفياً بقوله: ما رأيت زيداً أو عمراً، فأوجب دخول كل واحد منهما تحت النفي على الانفراد وصار كقوله: ما رأيت زيداً ولا عمراً، لا كقوله: ما رأيت أحدهما. وإن كانا يتفقان معنى.
وأما إذا دخل بين نفي وإثبات، كقوله: والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار الأخرى. كان بمنزلة "حتى" فإن دخل الدار الأولى حنث وإن دخل الدار الأخرى سقطت اليمين إلى بر لأن عمل "أو" في النفي عمل بلا شك، وعمله في الإثبات بأن لا يثبت إلا أحدهما فاعتبر في حق الدار الأولى بنفيين كأنه قال: والله لا أدخل هذه الدار أو هذه الدار، وفي الدار الأخرى بالإثباتين، كأنه قال: والله لأدخلن هذه الدار أو هذه الدار فإذا دخل في أحدهما بر في يمينه وتمت اليمين براً فكذا ههنا إذا دخل الدار الثانية.