وإنا نرى أقدامنا في نعالهم ... وآنفنا بين اللحى والحواجب
ولا يكون لكل واحد إلا أنف، والله تعالى يقول: {فقد صغت قلوبكما} ولن يكون لواحد إلا قلب، وقال: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} الآية، ولم يجب بالسرقة الواحدة من السارق والسارقة إلا قطع يد واحدة من كل واحد منهما.
ولو اوجب هذا الاسم جماعة الأيدي؛ في حق كل واحد منهما لوجب قطع الأيدي جملة منهما بالمرة الواحدة، لأن الله تعالى جعل جزاء سرقة واحدة قطع أيديهما.
فلما لم يجب إلا قطع يد واحدة، علم أن الجمع المضاف إلى جماعة، آحاد في حق الآحاد.
وقال الله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} والمحظور على كل واحد منهم حلق رأس نفسه بهذا الخطاب حتى لو حلق رأس غيره لم يلزمه الدم المتعلق بحلق رأسه، وقال جل جلاله: {جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم}.
ومن ذلك قول بعضهم: إن العام يخص بغرضه ولا يكون حجة فيما عداه وانه بمنزلة التخصيص بسببه لأن المتكلم إنما يتكلم لغرضه فذلك الغرض سبب خروج الكلام من المتكلم، ومن ذلك قولهم: إن كلام المدح والذم والثناء، والاستثناء لا عموم له. وذلك قول بالتشهي لأن العام حيث قيل بعمومه، فإنما قيل به لأن الوضع للعموم وإنه قائم مع كونه ذماً أو مدحاً أو استثناء، لأن العرب تمدح العام بوصف عام، وقد تذم كذلك وقد تستثني كذلك فلا تدل هذه الصفات على التخصيص وترك الحقيقة.
فهذه جملة ما ذكرنا من فنون الأقوال في هذا الباب فإن شذ عنا شيء فليقس بما ذكرنا، فقد حددنا للعمل باللفظ حداً لا يعدوه، وهو العمل بنصه وإشارته ودلالته ومقتضاه، وحددنا كل قسم بحد يمتاز به عن غيره، ليعلم أن ما لا يدخل تحت الحد أنه عمل لا بالنص فلا يبقى إلا الرأي والقياس، غير أن الحدود التي قلناها متقاربة، يشبه بعضها بعضاً، لا يثبت قدم سالكها على الحد إلا بحد التأمل.
فليشمر المهتدي لما أشرنا إليه أذيال خاطره، ثم ليستعن بالله فلا يضل، فإن التخريج على هذه الحدود ورد كل نوع إلى نظيره أصعب انقياداً للقلب من معرفة الأقسام بحدودها، وما التوفيق إلا بالله تعالى.