أوامر الله تعالى بمعصية يرتكبها فلا يقع الفرق بين قولنا: فسق، وبين قولنا: عصى فيكون الفسق عصياناً لا بياناً لجزائه.
وكذلك النظم دليل عليه، لأنه لم يخاطب الأئمة، والأئمة هم المخاطبون بإقامة الحدود كما في الزنا والسرقة بل أخبر عن صفة القاذف كما قال: {فأولئك عند الله هم الكاذبون} أي: القذفة وإن كان خبراً يحتمل الحسبة لإقامة الحد والمعصية لقصد هتك الستر فإنه متى عجز عن الشهود حتى حد صار معصية وفسقاً فأخبر الله بذلك لتزول عنها شبهة الاحتمال، وشبهة إيجاب الحد عليه بما فعله محتسب ومتى لم يصر الفسق جزاء وهو كلام تام بنفسه صار ابتداء فالشافعي متى قطع: {ولا تقبلوا} عن قوله: {فاجلدوهم} صار قاطعاً بلا دليل من النص ونحن متى قطعنا الفاسقين عما قبله قطعنا بدليل من النص نفسه فلم يلتحق الاستثناء بما تقدم.
فأما قول الرجل: عبده حر، وامرأته طالق إن كلمت زيداً، فإنما التحق الشرط بهما لأنه بين بأجزاء الكلام أنه حلف ولم يرسل الإيجاب، والحلف غير الإرسال وتمام الحلف بالشرط والجواب فصارت الجملة الأولى ناقصة على اعتبار الحلف لأنه لا شرط لها، فصارت الواو واو العطف كما لو كان إرسالاً فقال: هذه طالق، وهذه فإنهما تطلقان لأن الثانية ناقصة إرسالاً فانعطفت على الأولى وشركتها في خبرها، وصارت جملة واحدة فكذلك هذه اعتبرت يميناً، ونظير ما نحن فيه قوله: لفلان علي ألف درهم ولفلان علي ألف درهم إلا عشرة فإن الاستثناء يقتصر على الثاني.
ومن ذلك الجمع المضاف إلى جماعة كقول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}، {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم} فمن الناس من قال: حقيقة هذا الجمع تتناول جماعة أموال كل واحد من الجملة لأنها اسم جمع لولا الإضافة، ومع الإضافة يمكننا العمل بحقيقة موجبها مطلقة فلا نخصها بغير دليل، وهذا عند عامة العلماء عمل بلا دليل.
قال علماؤنا فيمن قال لامرأتين له: إن ولدتما ولدين او دخلتما دارين فأنتما طالقان، فولدت كل واحدة ولداً أو دخلت داراً واحدة طلقتا جميعاً.
لأن هذه جماعة مضافة إلى جماعة فيجب تحقيق الجماعة المضافة بسبب الإضافة حتى لا تصير الإضافة لغواً اعتبراها في الجماعة المعرفة بالإضافة، فإن الإلغاء لا يجوز إلا بدليل، واعتمادهم على الجماعة ليس بدليل، لأن الجماعة مقيدة بالإضافة ونحن نحققها كذلك.
فأما المطلقة فمعدومة كالإيجاب المعلق بشرط يكون سكوتاً عما عداه، وعلى هذا تفاهم الناس من خطابهم: لبس القوم ثيابهم ونعالهم وحلقوا رؤوسهم ومشطوا لحاهم، ويقول الشاعر: