جاء زيد وعمرو، فعمرو إنما يتم بخبر زيد، هذا حر وهذا، فهذا يتم بخبر الأول، فهذا تفسير واو العطف.

وأما الذين قالوا؛ هذه الواو تدل على الاتفاق حكماً، فشبهوا هذه الواو بواو العطف، وقالوا: إذا تحقق العطف صار الكل كلاماً واحداً كما لو تكرر الخبر لكل اسم فيصير خبر الأول خبر بعينه للثاني ألا ترى أن خطاب الشرع محمول على المتفاهم من مخاطبة العرب بينهم، والواحد منا إذا قال: عبده حر، وامرأته طالق إن كلمت زيداً تعلق الأمران بالشرط وكل واحد جملة تامة فلو اعتبرا منفصلين لما تعلق الأول بالشرط.

إلا أن نقول هذه الواو ساكتة عن جعل الجمل كلاماً واحداً، وجعل خبر الأولى خبراً للأخرى. لأن الخبر منصوص عليه بالأخرى فاستغنى عن خبر الأولى.

ولأنا متى جعلنا ذلك صار خبر كل جملة خبراً للجميع كما لو لم يوجد إلا خبر واحد فإنه يكون خبر للجملة، وإنه ساقط بإجماع أهل اللسان.

فأما الواو فقد استعملت لا للعطف قال الله تعالى: {لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء} {وريشاً ولباس التقوى} فلباس ابتداء لولا ذلك لما استقام مخالفة المعطوف المعطوف عليه إعراباً، وكانت الواو لتحسين نظم المتكلم لا غير فمن جعل واو النظم لإثبات الشركة بين الجمل فقد أثبت بها بما ليس بموجبها لغة وعمل بما سكتت عنه وغنما يجب ذلك بدلالة أخرى توجب الوصل أو الاشتراك.

ومن ذلك قول الله تعالى في آية القذف: {وأولئك هم الفاسقون} فهذه الواو عندنا واو النظم لا واو العطف فتبقى هذه الجملة مفصولة عن الأولى فلم يلتحق الاستثناء بالأولى.

وعند الشافعي هذه واو العطف وإنما واو النظم ما قبلها: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} فهذا حكم مفصول عنده عن الجلد موصول بالفسق فانصرف الاستثناء إليه، ولم ينصرف إلى الجلد ثم هذا من الشافعي عمل بالسكوت لأن كل واحدة من الجملتين تامة خبر وجواب متى اعتبر ابتداء وإنما ينتقص إذا اعتبر جزاء عن القذف وقوله: {ولا تقبلوا لهم شهادة} يصلح جزاء دون الفسق لأن ظاهر الآية شاهد بكون النصين جزاء {فاجلدوهم} {ولا تقبلوا} فإنه خطاب راجع إلى الأئمة معطوفاً على خطاب الجلد والأول جزاء فكان الثاني جزاء لأن النص وإن فهم بنفسه فقد نقل معه سببه، وهو القذف فيجب ربط كل ما يصلح جزاء له به وجرح العدالة يصلح جزاء كالجلد لأنه ضرب عقوبة إذا قوبل بقبول القول منه فبهذه الدلالة جعلنا الواو الأولى للعطف.

فأما الفسق فلا يصلح جزاء فإن الفسق في اللغة الخروج، وفي الشرع الخروج عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015