وكذلك النوع الثاني لأنه متى لم يستقل بنفسه حتى يربط بما قبله من السبب صار كبعض الكلام من جملة فلا يجوز تفصيله للعمل به.

وأما إذا استقل بنفسه فإن خرج مخرج الجواب وقت الحاجة إليه، وما فيه زيادة على الجواب ابتنى على السؤال لأنه جواب عنه، وصار بمنزلة الحكم للعلة- على ما مر- وبعض الكلام من الجملة فصار مقتضياً حكاية ما في السؤال أي: إن اغتسلت عن ذلك السبب الذي قلته فعبدي حر.

وكمن إذا قيل له: تعال فتغد، فقال: والله لا أتغدى. اختص بذلك الغداء في ذلك الفور.

فأما إذا كان فيه زيادة فتعم لأنا متى جعلناها جواباً لغت الزيادة فجعلناها ابتداء لتصير معمولاً بها وصار إلغاء الحال أولى من إلغاء الكلمة في نفسها، لأن السبب ساكت عن إيجاب القصر عليه، والزيادة ناطقة بالعمل بها بلا تخصيص.

وعلى هذا القول جمهور العلماء نزلت آية الظهار بسبب خولة ولم يقتصر عليها لعمومها في نفسها وخلوها عن دلالة التخصيص.

ونزلت آية حد القذف بسبب عائشة- رضي الله عنها- فكانت عامة.

ونزلت آية اللعان بسبب سعد بن معاذ وكانت عامة.

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجدهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: "من أسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" ولم يختص الخطاب بمن يسلف إلى أجل مجهول فيلزمه الخطاب إعلام الأجل دون غيره، وإن كان سبب الخطاب إسلافهم إلى آجال مجهولة لأن النص مستقل بنفسه خال عن قيد الخصوص غير سببه فلم يكن السبب بنفسه مخصصاً.

ومن ذلك قول بعض أهل النظر ممن لا تبع له من نحارير الفقهاء: أن الاتفاق في النظم يدل على الاتفاق في الحكم كقول الله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} هذه كلمات نفي اتفقت نظماً، ومعنى الاتفاق نظماً ان يكون الكلام جملاً تامة لو فصل بعضها عن بعض أفاد كما لو وصل فوصل بينهما تكلماً بواو فهذه تسمى واو نظم فقد حسن بها نظم الكلام، وإن كان جملاً كقولك: جاء زيد، وتكلم عمرو.

فأما واو العطف فما دخلت بين جملتين إحداهما ناقصة فتمت بحكم تلك الواو العاطفة على الولى حتى تصير بحكم الانعطاف مثل الأولى فيما تمت به الأولى كقولك:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015