وقال علماؤنا رحمهم الله تعالى: إنما يرتفع بها حكم الآخرة لا غير، ولا يرتفع عاماً لأن حكم الآخرة وهو المؤاخذة مرفوع بها بالإجماع وبهذا القدر يصير مفيداً فتزول الضرورة فلا يتعدى إلى حكم آخر.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" والمراد بها: حكم الأعمال فعينها تثبت بلا نية.
وقال الشافعي: كل حكم يتعلق ثبوته شرعاً بالنية إلا حيث قام الدليل.
وقلنا: لا يتعلق بها إلا حكم الآخرة من الثواب فإنه مراد بالإجماع فالعبادات التي يتعلق بها ثواب لا تصح مؤادة بنفسها إلا بنية، ولما ثبت هذا مراداً وبه يصير الكلام مفيداً لم يتعد إلى ما وراءه، وصار كأنه قال: إنما ثواب الأعمال بالنيات.
وقال علماؤنا فيمن قال لامرأته: أنت طالق، ونوى بها ثلاثاً: لم يصح.
وقال الشافعي: يصح، لأن قوله: طالق يقتضي طلاقاً لا محالة، ولو قال لها: أنت طالق طلاقاً، ونوى به ثلاثاً صح فكذلك ها هنا.
وقلنا: النية لا تصح في قوله: طالق، لأنه نعت لفرد لا يحتمل الثلاث، وإنما يصح في الطلاق لأنه اسم يحتمل العموم والخصوص، والطلاق غير منصوص عليه، ولكنه مقتضى النص، والمقتضى لا عموم لثبوته عندنا بل يثبت بقدر ما ترتفع به ضرورة النص، وضرورته ترتفع بثبوته في حق طالق ليقع لأن النعت لا يثبت بدون المصدر فلم يبق ثابتاً في حق نية الثلاث، لأن النعت صح بدون الثلاث فلم تكن الضرورة المثبتة في حق نية الثلاث ثابتة فلم يثبت في حقها، وكان كالاستحقاق الثابت على المشتري بإقراره يثبت خاصاً في حقه دون البائع، لأن قوله جعل حجة عليه لا على غيره فثبت خاصاً بقدر خصوص الحجة.
وكما قالوا فيمن قال لآخر: اعتق عبدك عني بألف درهم. فقال: أعتقت، ثبت العتق عنه، وثبت الشراء من المأمور مقتضياً بالإجماع، فصار الطلب مقتضياً بيعاً منه ضرورة أن يصح العتق عنه، وثبت البيع خاصاً في حق تصحيح العتق عنه، ولم يثبت حيث لا تصحيح للعتق، حتى لو قال المأمور: بعتك بألف درهم ثم أعتقه لم يصر مجيباً لكلامه بل كان مبتدئاً ووقع العتق عن نفسه.
وكذلك من قال لامرأته: حجب، ونوى الطلاق لم يصح وإن اقتضى الحج ذهاباً لأنه اقتضاء ضرورة أن الحج لا يتصور إلا بذهاب، فثبت ذهاب لتصحيح الحج لا ذهاب