فاقتضاها النص ليتحقق معناه، ولا يلغو فصار حكم المقتضى مضافاً إلى النص لأن النص أوجب المقتضى فصار المقتضى مع حكمه حكمين للنص، كشراء الأب إعتاق حكماً، وإن لم يوجب العتق بنفسه بل بزيادة الملك، ولكن الملك لما ثبت بالشراء كان حكمه، وهو العتق مع الملك حكمين للشراء فكذلك ها هنا، ولما أضيف المقتضى مع حكمه إلى النص صار بمنزلة الحكم الثابت بالنص بعينه بلا مقتضى ولم يكن قياساً وهذا لا خلاف فيه، إنما الخلاف في أن المقتضى هل له عموم النص أم لا؟
قال علماؤنا: لا عموم له.
وقال الشافعي: له عموم لما ذكرنا أن الحكم الثابت به بمنزلة الحكم الثابت بالنص، والحكم الثابت بالنص، والحكم الثابت بالنص له عموم فكذلك هذا إلا أنا نقول أن مقتضى النص ساقط من النص بنفسه في الأصل لا حكم له، وإنما يثبت ضرورة أن يصير الكلام مفيداً فيتقدر بقدر الضرورة.
وإذا ثبت بقدر ما يصير الكلام مفيداً زالت الضرورة المثبتة فسقط ثبوته كالميتة حكمها الحرمة في الأصل، والحل يثبت بالضرورة فيتقدر بقدرها، وهو قدر سد الرمق دون ما سواه من التمول والحمل والشبع، بخلاف الثابت بالنص نفسه لأن ثبوت معناه منه الأصل فلا يسقط إذا كان عاماً إلا بدلالة كحل الذبيحة.
ومثاله: قول الله تعالى: {وسئل القرية} أي أهلها اقتضاء لأن السؤال للتبيين، فاقتضى موجب هذا الكلام أن يكون المسؤول من أهل البيان ليفيد فيثبت الأهل زيادة اقتضاء ليفيد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وعينها غير مرفوع فيصير كذباً لو أريد بها عينها، وهذا لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم فاقتضى ضرورة زيادة وهو الحكم ليصير مفيداً وصار المرفوع حكمها، وثبت رفع الحكم عاماً عند الشافعي في الآخرة وهو المؤاخذة بالعقاب، وفي الدنيا من حيث الصحة شرعاً.
وقال: طلاق المكره والمخطئ باطل وكذلك كل تصرفاته، والأكل مكرهاً ومخطئاً لا يفسد الصوم لأنه متى فسد لزمه القضاء، وهو من الأحكام المشروعة في الدنيا.
وكذلك صحة أداء الصوم في نفسه حتى يسقط المؤاخذة عنه من أحكام الدنيا والثواب من أحكام الآخرة فتثبت عامة، كما لو ثبت نفي حكم الخطأ نصاً فقال صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي" حكم الفعل ناسياً ومكرهاً وخطئاً.