الاستعمال أكلاً، فلم يفتقر إلى القرينة للإلحاق بالجنس ولم يمتنعا عن الدخول تحت المطلق، فأما لحم السمك فدون سائر اللحوم في الإغذاء لأن اللحوم تتولد من الدم ولا دم للسمك، وكذلك الجراد فكانت القرينة لإلحاقها بسائرها فلم يلتحق بها بدون القرينة كالصلاة المطلقة لا تدخل فيها صلاة الجنازة لأنها ناقصة، وإنما التحقت بالصلاة بالقرينة، وكذلك البيض من هذا القبيل بدلالة عدم الأكل عرفاً لا لحرمة مانعة بل لقلة رغبة فيها فكانت القرينة في الخنزير لبيان أنه من جنس المحرمات لا لبيان أنه من جنس اللحوم.
وإذا قال: كل مملوك له حر لم يدخل تحته المكاتب لأنه اختص باسم آخر لنقصان حاله في المملوكية، لأنه بين الحر والعبد مالك من وجه، مملوك من وجه، فصار الاسم علماً على خروجه عن مطلق المماليك، وكان هذا أمنع من الدخول تحت المطلق من دون القرينة ولم يمتنع المكاتب من الدخول تحت المطلق، قوله: {فتحرير رقبة} لأن الرقبة اسم لصورة مرقوقة والرق تام على ما بينا في موضعه والصورة التامة.
وكذلك النباش لا يدخل عند أبي حنيفة ومحمد- رضي الله عنهما- تحت مطلق اسم السارق لأنه اختص باسم لنقصان حال السرقة لأنه اسم لأخذ مال محرز بحيلة من صاب محرز، ومعنى الحرز بالقبر ناقص أو فائت لأنه يوضع فيه للبلى، وكذلك الإحراز من صاحبه الميت فائت ولا يحتاج إلى حيلة لأجله.
والطرار داخل تحته وإن اختص باسم الطر. لأنه اختص به لزيادة معنى على السرقة، وهو اللطف في العمل، والحذق في الأخذ لأنه يأخذها مجاهرة على مثال الأخذ من غافل أو نائم بلطف الصنعة كالصرف يدخل تحت مطلق اسم البيع لأنه اختص باسمه لإيجاب زيادة حكم وهو القبض في المجلس للبدلين جميعاً.
وأما دلالة اللفظ: في نفسه كقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً} دل سياق الآية على أن صدرها للتهديد وهذا نظيره مما قرن باللفظ ما يوجب ترك حقيقته إلى وجه يحتمله.
ومثاله من ألفاظنا قول الرجل: لفلان علي ألف درهم إن شاء الله تعالى، فإنه لا يلزمه شيء لأن العرب تتكلم بالخبر مرسلاً ومعلقاً فكان التعليق بياناً أنه لا إرسال فلا يلزمه حكم الإرسال.
وإذا قال: لفلان علي ألف درهم لسبب، لزمه المال وبطل قوله: لسبب، لأنه لا بيان فيه بوجه بل هو رجوع محض والكلام لا يحتمله.
وأما دلالة المتكلم في صفته: فكقول الله تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} الآية، فإنها أوامر أريد بها التوبيخ بدلالة أن الله تعالى لا يوصف بجواز الأمر بالكفر عليه، ومن هذا القبيل قولنا: تربت يداك، فإنه محمول على الخير