بدلالة حال الداعي، وكذلك قول العبد: اللهم اغفر لي، يجعل سؤالاً بدلالة حال القائل وهو العبد فإنه لا يليق بحاله طلب النعمة من مولاه إلزاماً، وإنما يليق سؤالاً وقد قال علماؤنا فيمن دعي إلى غداء فقال: والله لا أتغدى: إنه ينصرف إلى ذلك الغذاء في ذلك الفور لأنه أخرج كلامه مخرج الجواب والحال حال الحاجة إلى الجواب فصار جواباً بدلالة الحال فاقتصر حكمه على موجب السؤال وهو أكل ذلك الطعام في الحال.
وأما دلالة المحل: فنحو قول الله تعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير} فالمحل عام لم يقبل تعميم النفي باستوائهما في صفات كثيرة محسوسة علم أن المراد به نفي المساواة من وجه دون وجه، وإذا حلف الرجل لا يبيع فباع حراً لم يحنث لأن المحل غير قابل فسقطت حقيقته بالمحل.
وأما ترك الكلام بدليل معارض كالنسخ والتخصيص فليس من هذا القبيل، لأن دليلي النسخ والتخصيص كلامان آخران يعارضان معنى النص الأول إلا أن المقارن يوجب التخصيص، والمتأخر يوجب النسخ، وامتناع عمل اللفظ بحكم المعارضة ليس من أبواب بيان موجب اللفظ في نفسه.
وإنما سمي التخصيص بياناً لأنه من حيث المعنى كالمتصل به حتى لم يصح وروده متأخراً عنه فجرى الاستثناء من هذا الوجه فكان بياناً، ولكن لما كان بنص آخر فنفصل عنه صيغة أشبه المعارض والناسخ، فنزل منزلة بين المنزلتين.