باب
إن حقيقة اللفظ تترك بوجوه أربعة:
أ- دلالة عرف الاستعمال لساناً.
ب- ودلالة اللفظ في نفسه.
ج- ودلالة المتكلم في صفته.
د- ودلالة محل الكلام من حيث صلاحه له.
فهذه وجوه يجب ترك حقيقة اللفظ بها لا على سبيل معارضة لفظ آخر إياه.
فأما عرف اللسان: فلأن الكلام وضع للإفهام وأن المتعارف استعمالاً يستبق الأوهام كالصلاة إذا أطلقت انصرفت إلى هذه العبادة الشرعية، وهي مجاز دون الحقيقة لغة لغلبة الاستعمال، وكذلك الصوم والحج.
وإذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان انصرف إلى الدخول مجازاً حتى إذا دخلها راكباً أو ماشياً يحنث.
وإذا قال: يوم يقدم فلان فعبده حر، فقدم فلان ليلاً أو نهاراً عتق عبده وصار بعرف اللسان عبارة عن الوقت بلا إرادة.
وإذا حلف لا يأكل لحماً لم يحنث بأكل السمك بلا نية لأن اللحم بعرف اللسان لا يراد به لحم السمك إلا مقروناً بالسمك لنقصانه في نفسه من حيث معنى اللحم، فيقال: أكلنا لحم السمك فلم ينصرف إليه بدون القرينة.
وكذلك لو حلف لا يأكل بيض العصفور لا يحنث لأنها لا تسمى بيضاً إلا مقرونة بالعصفور لمعنى النقصان.
والدراهم مطلقة تنصرف إلى نقد البلد لأن غيره لا يسمى دراهم إلا مقروناً بالبلد الذي هو نقده لنقصان حال الرواج في بلدهم.
فإن قيل: لو حلف لا يأكل لحماً فأكل لحم آدمي أو خنزير حنث!
قلنا: لأن اللحم إنما سمي لحماً لصورة معنوية بمعنى خاص امتاز به عن غيره، وتلك الصورة بمعناها غير مختلفة فيهما، وإنما قل الاستعمال تسمية لحرمتهما وعدم