فإن قيل: قال الله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك} ولم يعم هذا المستمعين أجمع!
قلنا له: لأن الله تعالى أخبر عن معهود استمع إليه وجعل الله تعالى على قلوبهم أكنة و"من" في المعرفة لا تعم بل تخص تلك المعرفة لأنها صالحة للخصوص كاسم الجنس على ما ذكرنا فيصير المراد بها إذا أضيفت إلى معرفة تلك العين لا غير، ألا ترى أنه لو قال: من في الدار من عبيدي الذين صاموا؟ لم يتناول غير الصائمين من عبيده لاستخباره عنهم لا غير.
فأما "من" في الاستخبار المطلق والوعد والمجازاة فلا تخص عيناً فتعم لعدم دليل التعيين.
قال علماؤنا- رحمهم الله تعالى- فيمن قال لآخر: من شاء من عبيدي العتق فأعتقه، فشاؤوا جميعاً: فإنه يعتقهم لعموم كلمة "من" فيمن تناولهم، وهو الذي شاء من العبيد.
فأما إذا قال: من شئت من عبيدي عتقه فأعتقه، كان له أن يعتقهم إلا الواحد بسبب كلمة"من" التي وضعت للتبعيض على ما بينا في موضعه، وقد دخلت على العبيد.
وفي المسألة الأولى دخلت على من شاء العتق فإنه يعم العبيد وغيرهم فميز العبيد من غيرهم وبعضهم، فأما "من" فقد أوجب التعميم حيث لم يقتصر على الواحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" وكان عاماً، وقوله: "من قتل قتيلاً فله سلبه".
فأما الألف واللام فإنها للتعريف في أصل اللغة، تقول العرب: رأيت رجلاً، ثم كلمت الرجل، أي كلمته بعينه، قال الله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً، فعصى فرعون الرسول} أي ذلك بعينه، وإذا لم يكن في كلامه نكرة سابقة يمكن تعريفها بالألف واللام اقتضى ضرورة تعريف جنس ما سماه لأنه متعين من بين الأجناس بالاسم إن لم يتعين فرد من أفراد الجنس للتعريف.
قال علماؤنا- فيمن حلف لا يتزوج النساء، فتزوج امرأة- حنث، كما إذا حلف لا يشرب الماء، بخلاف ما إذا حلف: لا يتزوج نساء، فإنه لا يحنث إلا بثلاث منهن فجعلت الصيغة بسبب الألف واللام عبارة عن الجنس، لأنا لو اعتبرنا معنى الجماعة صيغة الذي هو ثابت من قولنا: نساء على التنكير كانت الألف واللام لتعريف تلك النكرة،