إلأى ما يستطيبه، ولذة اللمس في لمس ما يستلذه، ولذة لوهم في تصور ما يؤمله، ولذة الخيال في تخيل ما يستحسن تصوره، ولذة الفكر في أمر مجهول عنده يتعرفه، وكل واحد من هذه القوى والأجزاءِ إذا عرض لها آفة تعوقها عن شهوتها وعن إدراك لذتهايكون كالمريض الذي لا يشتهي الماء وكان به ظمأ وإذا تناوله لم يجد له لذة كما قال الشاعر:
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرّا به الماء الزلالا
وإذا كان كذلك فاللذات الأُخروية هي لذات لا تدرك إلا بالعقل المحض وعقول أكثر من في هذه الدار مولهة معوقة عن إدراك حقائق اللذات الأخروية فلا تشعر بها كالخدر لآفة عرضت له فلا يحس بالسبب المؤلم. وكالمريض الذي لا يحس بالجوع وإن كان جوعه يؤذيه، ولا يشتهي الطعام إن كان فقد الطعام يضنيه، بل إنما يحس بالجوع إذا زال السبب المؤلم. وأيضاً فعقول أكثرنا ناقصة وجارية مجرى عقول الصبيان ما داموا صغاراً لا يحسون باللذات والآلام التي تعرض للرجال فيتعللون بالأباطيل والأضاليل، كذلك من كان في عقله صبياً لم يطلع على الحقائق وبالاعتبار بهم قال الله تعالى: (وما هذه الحياة الدنيا الاّ لهوٌ ولعب) وقال تعالى: (فلا تغرنَّكم الحياة الدنيا ولا يغرنَّكم بالله الغرور) ولما أراد الله تعالى أن يقرّب معرفة